وهو مما شمله قوله تعالى : (لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
وقوله : (كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) ، الإشارة إلى القتل المأخوذ من قوله : (فَاقْتُلُوهُمْ) أي كذلك القتل جزاؤهم على حد ما تقدم في قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] ونكتة الإشارة تهويله أي لا يقل جزاء المشركين عن القتل ولا مصلحة في الإبقاء عليهم ؛ وهذا تهديد لهم ، فقوله (كَذلِكَ) خبر مقدم للاهتمام وليست الإشارة إلى (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [البقرة : ١٩٠] لأن المقاتلة ليست جزاء ؛ إذ لا انتقام فيها بل القتال سجال يوما بيوم.
وقوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فإن انتهوا عن قتالكم فلا تقتلوهم ؛ لأن الله غفور رحيم ، فينبغي أن يكون الغفران سنة المؤمنين ، فقوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) جواب الشرط وهو إيجاز بديع ؛ إذ كل سامع يعلم أن وصف الله بالمغفرة والرحمة لا يترتب على الانتهاء فيعلم أنه تنبيه لوجوب المغفرة لهم إن انتهوا بموعظة وتأييد للمحذوف ، وهذا من إيجاز الحذف.
والانتهاء : أصله مطاوع نهى يقال : نهاه فانتهى ثم توسع فيه فأطلق على الكف عن عمل أو عن عزم ؛ لأن النهي هو طلب ترك فعل سواء كان الطلب بعد تلبس المطلوب بالفعل أو قبل تلبسه به قال النابغة :
لقد نهيت بني ذبيان عن أقر |
|
وعن تربّعهم في كل أصفار |
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣))
عطف على جملة (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [البقرة : ١٩٠] وكان مقتضى الظاهر ألا تعطف هذه الجملة ؛ لأنها مبينة لما أجمل من غاية الأمر بقتال المشركين ولكنها عطفت لما وقع من الفصل بينها وبين الجملة المبيّنة.
وقد تضمنت الجمل السابقة من قوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٩١] إلى هنا تفصيلا لجملة (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ؛ لأن عموم (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) تنشأ عنه احتمالات في الأحوال والأزمنة والبقاع وقد انقضى بيان أحوال