وقد جاء (لو) في مثل هذا التركيب بشرط مضارع ووقع في كلام الجمهور من النحاة أن لو للشرط في الماضي وأن المضارع إذا وقع شرطا لها يصرف إلى معنى الماضي إذا أريد استحضار حالة ماضية وأما إذا كان المضارع بعدها متعينا للمستقبل فأوّله الجمهور بالماضي في جميع مواقعه وتكلفوا في كثير منها كما وقع لصاحب «المفتاح» ، وذهب المبرد وبعض الكوفيين إلى أن لو حرف بالمعنى إن لمجرد التعليق لا للامتناع ، وذهب ابن مالك في «التسهيل» و «الخلاصة» إلى أن ذلك جائز لكنه قليل وهو يريد القلة النسبية بالنسبة لوقوع الماضي وإلّا فهو وارد في القرآن وفصيح العربية.
والتحقيق أن الامتناع الذي تفيده (لو) متفاوت المعنى ومرجعه إلى أن شرطها وجوابها مفروضان فرضا وغير مقصود حصول الشرط فقد يكون ممكن الحصول وقد يكون متعذرا ولذلك كان الأولى أن يعبر بالانتفاء دون الامتناع لأن الامتناع يوهم أنه غير ممكن الحصول فأما الانتفاء فأعم ، وأن كون الفعل بعدها ماضيا أو مضارعا ليس لمراعاة مقدار الامتناع ولكن ذلك لمقاصد أخرى مختلفة بالاختلاف مفاد الفعلين في مواقعها في الشروط وغيرها ، إذ كثيرا ما يراد تعليق الشرط بلو في المستقبل نحو قول توبة :
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا |
|
ومن بين رمسينا من الأرض سبسب |
لظل صدى صوتي وإن كنت رمّة |
|
لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب |
فإنه صريح في المستقبل ومثله هذه الآية.
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧))
إذ ظرف وقع بدل اشتمال من ظرف (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) [البقرة : ١٦٥] أي لو تراهم في هذين الحالين حال رؤيتهم العذاب وهي حالة فظيعة وتشتمل على حال اتخاذ لهم وتبرئ بعضهم من بعض وهي حالة شنيعة وهما حاصلان في زمن واحد.
وجيء بالفعل بعد (إذ) هنا ماضيا مع أنه مستقبل في المعنى لأنه إنما يحصل في الآخرة تنبيها على تحقق وقوعه فإن درجت على أن إذ لا تخرج عن كونها ظرفا للماضي على رأي جمهور النحاة فهي واقعة موقع التحقيق مثل الفعل الماضي الذي معها فتكون ترشيحا للتبعية ، وإن درجت على أنها ترد ظرفا للمستقبل وهو الأصح ونسبه في «التسهيل»