طريق عمرو بن خالد عن زهير عن أبي إسحاق عن البراء بغير هذه الزيادة ، ولكن قال عوضها : «وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب ، فلما ولّى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك» ، وأخرجه في كتاب التفسير (١) من طريق أبي نعيم عن زهير بدون شيء من هاتين الزيادتين ، والظاهر أن الزيادة الأولى مدرجة من إسرائيل عن أبي إسحاق ، والزيادة الثانية مدرجة من عمرو بن خالد لأن مسلما والترمذي والنسائي قد رووا حديث البراء عن أبي إسحاق من غير طريق إسرائيل ولم يكن فيه إحدى الزيادتين ، فاحتاجوا إلى تأويل حرف الاستقبال من قوله (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) بمعنى التحقيق لا غير أي قد قال السفهاء ما ولاهم.
ووجه فصل هذه الآية عما قبلها بدون عطف ، اختلاف الغرض عن غرض الآيات السابقة فهي استئناف محض ليس جوابا عن سؤال مقدر.
والأولى بقاء السين على معنى الاستقبال إذ لا داعي إلى صرفه إلى معنى المضي وقد علمتم الداعي إلى الإخبار به قبل وقوعه منهم وقال في «الكشاف» «فائدة الإخبار به قبل وقوعه أن العلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع وأن الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد لشغبه» وذكر ابن عطية عن ابن عباس أنه من وضع المستقبل موضع الماضي ليدل على استمرارهم فيه وقال الفخر إنه مختار القفال.
وكأنّ الذي دعاهم إلى ذلك أنهم ينظرون إلى أن هذا القول وقع بعد نسخ استقبال بيت المقدس وأن الآية نزلت بعد ذلك وهذا تكلف ينبغي عدم التعويل عليه ، والإخبار عن أقوالهم المستقبلة ليس بعزيز في القرآن مثل قوله : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) [الإسراء : ٥١] وإذا كان الذي دعاهم إلى ذلك ثبوت أنهم قالوا هذه المقالة قبل نزول هذه الآية وشيوع ذلك كان لتأويل المستقبل بالماضي وجه وجيه ، وكان فيه تأييد لما أسلفناه في تفسير قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) [البقرة : ١١٥] ـ وقوله ـ : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى) [البقرة : ١٢٠].
والسفهاء جمع سفيه الذي هو صفة مشبهة من سفه بضم الفاء إذا صار السفه له سجية وتقدم القول في السفه عند قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ١٣٠] وفائدة وصفهم بأنهم من الناس مع كونه معلوما هو التنبيه على بلوغهم
__________________
(١) المصدر السابق (٨ / ١٧١ ، كتاب التفسير سورة البقرة (١٢) باب سَيَقُولُ السُّفَهاءُ إلخ.