من معاني الصلاة مجازا في مثل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦].
وحقيقة الصلاة في كلام العرب أنها أقوال تنبئ عن محبة الخير لأحد ، ولذلك كان أشهر معانيها هو الدعاء وقد تقدم ذلك في قوله تعالى : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) [البقرة : ٣] ولأجل ذلك كان إسناد هذا الفعل لمن لا يطلب الخير إلّا منه متعينا للمجاز في لازم المعنى وهو حصول الخير ، فكانت الصلاة إذا أسندت إلى الله أو أضيفت إليه دالة على الرحمة وإيصال ما به النفع من رحمة أو مغفرة أو تزكية.
وقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) بيان لفضيلة صفتهم إذا اهتدوا لما هو حقّ كل عبد عارف فلم تزعجهم المصائب ولم تكن لهم حاجبا عن التحقق في مقام الصبر ، لعلمهم أن الحياة لا تخلو من الأكدار ، وأما الذين لم يهتدوا فهم يجعلون المصائب سببا في اعتراضهم على الله أو كفرهم به أو قول ما لا يليق أو شكهم في صحة ما هم عليه من الإسلام ، يقولون لو كان هذا هو الدين المرضيّ لله لما لحقنا عذاب ومصيبة ، وهذا شأن أهل الضلال الذين حذّرنا الله أمرهم بقوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) [الأعراف : ١٣١] وقال في المنافقين : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) [النساء : ٧٨] ، والقول الفصل أن جزاء الأعمال يظهر في الآخرة ، وأما مصائب الدنيا فمسببة عن أسباب دنيوية ، تعرض لعروض سببها ، وقد يجعل الله سبب المصيبة عقوبة لعبده في الدنيا على سوء أدب أو نحوه للتخفيف عنه من عذاب الآخرة ، وقد تكون لرفع درجات النفس ، ولها أحوال ودقائق لا يعلمها إلّا الله تعالى وقد يطلع عليها العبد إذا راقب نفسه وحاسبها ، ولله تعالى في الحالين لطف ونكاية يظهر أثر أحدهما للعارفين.
(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨))
هذا كلام وقع معترضا بين محاجة أهل الكتاب والمشركين في أمر القبلة ، نزل هذا بسبب تردد واضطراب بين المسلمين في أمر السعي بين الصفا والمروة وذلك عام حجة الوداع ، كما جاء في حديث عائشة الآتي ، فهذه الآية نزلت بعد الآيات التي قبلها وبعد الآيات التي نقرؤها بعدها ، لأن الحج لم يكن قد فرض ، وهي من الآيات التي أمر رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بإلحاقها ببعض السّور التي نزلت قبل نزولها بمدة ، والمناسبة بينها وبين ما