خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤))
موقع هذه الآية مثل موقع (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [البقرة : ٢٤٥] الآية لأنّه لما دعاهم إلى بذل نفوسهم للقتال في سبيل الله فقال : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٤٤] شفّعه بالدعوة إلى بذل المال في الجهاد بقوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥] على طريقة قوله : (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) [الأنفال : ٧٢] ، وكانت هذه الآية في قوة التذييل لآية (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) لأنّ صيغة هذه الآية أظهر في إرادة عموم الإنفاق المطلوب في الإسلام ، فالمراد بالإنفاق هنا ما هو أعم من الإنفاق في سبيل الله ، ولذلك حذف المفعول والمتعلق لقصد الانتقال إلى الأمر بالصدقات الواجبة وغيرها ، وستجيء آيات في تفصيل ذلك.
وقوله : (مِمَّا رَزَقْناكُمْ) حث على الإنفاق واستحقاق فيه.
وقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) حث آخر لأنه يذكر بأن هنالك وقتا تنتهي الأعمال إليه ويتعذّر الاستدراك فيه ، واليوم هو يوم القيامة ، وانتفاء البيع والخلة والشفاعة كناية عن تعذّر التدارك للفائت ، لأن المرء يحصل ما يعوزه بطرق هي المعاوضة المعبر عنها بالبيع ، والارتفاق من الغير وذلك بسبب الخلة ، أو بسبب توسط الواسطة إلى من ليس بخليل.
والخلة ـ بضم الخاء ـ المودة والصحبة ، ويجوز كسر الخاء ولم يقرأ به أحد ، وتطلق الخلة بالضم على الصديق تسمية بالمصدر فيستوي فيه الواحد وغيره والمذكر وغيره قال الحماسي :
ألا أبلغا خلّتي راشدا |
|
وصنوي قديما إذا ما اتصل |
وقال كعب : أكرم بها خلة ، البيت.
فيجوز أن يراد هنا بالخلة المودة ، ونفي المودة في ذلك لحصول أثرها وهو الدّفع عن الخليل كقوله تعالى : (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) [لقمان : ٣٣] ، ويجوز أن يكون نفي الخليل كناية عن نفي لازمه وهو النفع كقوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) [الشعراء : ٨٨] ، قال كعب بن زهير :
وقال كل خليل كنت آمله |
|
لا ألهينّك إني عنك مشغول |
وقرأ الجمهور (لا بَيْعٌ فِيهِ) ـ وما بعده ـ بالرفع لأنّ المراد بالبيع والخلة والشفاعة