وقوله : (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم تنويها بشأنه وتثبيتا لقلبه ، وتعريضا بالمنكرين رسالته. وتأكيد الجملة بإنّ للاهتمام بهذا الخبر ، وجيء بقوله (من المرسلين) دون أن يقول : وإنك لرسول الله ، للرد على المنكرين بتذكيرهم أنه ما كان بدعا من الرسل ، وأنه أرسله كما أرسل من قبله ، وليس في حاله ما ينقص عن أحوالهم.
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣))
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ).
موقع هذه الآية موقع الفذلكة لما قبلها والمقدمة لما بعدها. فأما الأول فإنّ الله تعالى لما أنبأ باختبار الرسل إبراهيم وموسى وعيسى وما عرض لهم مع أقوامهم وختم ذلك بقوله : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) [البقرة : ٢٥٢]. جمع ذلك كلّه في قوله : (تِلْكَ الرُّسُلُ) لفتا إلى العبر التي في خلال ذلك كلّه. ولما أنهى ذلك كلّه عقّبه بقوله : (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [البقرة : ٢٥٢] تذكيرا بأنّ إعلامه بأخبار الأمم والرسل آية على صدق رسالته. إذ ما كان لمثله قبل بعلم ذلك لو لا وحي الله إليه. وفي هذا كلّه حجة على المشركين وعلى أهل الكتاب الذين جحدوا رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم. فموقع اسم الإشارة مثل موقعه في قول النابغة :
بني عمه دنيا وعمرو بن عامر |
|
أولئك قوم بأسهم غير كاذب |
والإشارة إلى جماعة المرسلين في قوله : (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ). وجيء بالإشارة لما فيها من الدلالة على الاستحضار حتى كأنّ جماعة الرسل حاضرة للسامع بعد ما مرّ من ذكر عجيب أحوال بعضهم وما أعقبه من ذكرهم على سبيل الإجمال.
وأما الثاني فلأنّه لما أفيض القول في القتال وفي الحثّ على الجهاد والاعتبار بقتال الأمم الماضية عقب ذلك بأنّه لو شاء الله ما اختلف الناس في أمر الدين من بعد ما جاءتهم البيّنات ولكنّهم أساءوا الفهم فجحدوا البيّنات فأفضى بهم سود فهمهم إلى اشتطاط الخلاف بينهم حتى أفضى إلى الاقتتال. فموقع اسم الإشارة على هذا الاعتبار كموقع