التهم.
والرجل في أصل اللغة يفيد وصف الذكورة فخرجت الإناث ، ويفيد البلوغ فخرج الصبيان ، والضمير المضاف إليه أفاد وصف الإسلام. فأما الأنثى فيذكر حكمها بعد هذا ، وأما الكافر فلأنّ اختلاف الدّين يوجب التباعد في الأحوال والمعاشرات والآداب فلا تمكن الإحاطة بأحوال العدول والمرتابين من الفريقين ، كيف وقد اشترط في تزكية المسلمين شدة المخالطة ، ولأنّه قد عرف من غالب أهل الملل استخفاف المخالف في الدين بحقوق مخالفه ، وذلك من تخليط الحقوق والجهل بواجبات الدين الإسلامي. فإنّ الأديان السالفة لم تتعرّض لاحترام حقوق المخالفين ، فتوهم أتباعهم دحضها. وقد حكى الله عنهم أنّهم قالوا : «ليس علينا في الأمّيين سبيل». وهذه نصوص التوراة في مواضع كثيرة تنهى عن أشياء أو تأمر بأشياء وتخصّها ببني إسرائيل ، وتسوغ مخالفة ذلك مع الغريب ، ولم نر في دين من الأديان التصريح بالتسوية في الحقوق سوى دين الإسلام ، فكيف نعتدّ بشهادة هؤلاء الذين يرون المسلمين مارقين عن دين الحق مناوئين لهم ، ويرمون بذلك نبيئهم فمن دونه ، فما ذا يرجى من هؤلاء أن يقولوا الحق لهم أو عليهم والنصرانية تابعة لأحكام التوراة. على أنّ تجافي أهل الأديان أمر كان كالجبليّ فهذا الإسلام مع أمره المسلمين بالعدل مع أهل الذمة لا نرى منهم امتثالا فيما يأمرهم به في شأنهم.
وفي القرآن إيماء إلى هذه العلة «ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيين سبيل». وفي «البخاري» ، في حديث أبي قلابة في مجلس عمر بن عبد العزيز. وما روي عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري : أنّ نفرا من قومه ذهبوا إلى خيبر فتفرّقوا بها ، فوجدوا أحدهم قتيلا ، فقالوا للذين وجد فيهم القتيل أنتم قتلتم صاحبنا ، قالوا ما قتلنا ، فانطلقوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فشكوا إليه ، فقال لهم : «تأتون بالبيّنة على من قتله» ، قالوا : «ما لنا بيّنة» ، قال : «فتحلف لكم يهود خمسين يمينا» ، قالوا : «ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يحلفون» ، فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبطل دمه ووداه من مال الصدقة. فقد أقر النبي صلىاللهعليهوسلم قول الأنصار في اليهود : إنّهم ما يبالون أن يقتلوا كل القوم ثم يحلفون.
فإن قلت : كيف اعتدت الشريعة بيمين المدّعى عليه من الكفار ، قلت : اعتدّت بها لأنّها أقصى ما يمكن في دفع الدعوى ، فرأتها الشريعة خيرا من إهمال الدعوى من أصلها.