حذر الجور والتطاخي وهل ين |
|
قض ما في المهارق الأهواء |
قال تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) [البقرة : ٢٨٣] ، فلم يجعل بين فقدان الكاتب وبين الرهن درجة وهي الشهادة بلا كتابة لأنّ قوله : (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) [البقرة : ٢٨٣] صار في معنى ولم تجدوا شهادة ، ولأجل هذا يجوز أن يكون الكاتب أحد الشاهدين. وإنّما جعل القرآن كاتبا وشاهدين لندرة الجمع بين معرفة الكتابة وأهلية الشهادة.
(وَاسْتَشْهِدُوا) بمعنى أشهدوا ، فالسين والتاء فيه لمجرد التأكيد ، ولك أن تجعلهما للطلب أي اطلبوا شهادة شاهدين ، فيكون تكليفا بالسعي للإشهاد وهو التكليف المتعلّق بصاحب الحق. ويكون قوله : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) تكليفا لمن يطلب منه صاحب الحق أن يشهد عليهما ألّا يمتنع.
والشهادة حقيقتها الحضور والمشاهدة ، والمراد بها هنا حضور خاص وهو حضور لأجل الاطّلاع على التداين ، وهذا إطلاق معروف للشهادة على حضور لمشاهدة تعاقد بين متعاقدين أو لسماع عقد من عاقد واحد مثل الطلاق والحبس. وتطلق الشهادة أيضا على الخبر الذي يخبر به صاحبه عن أمر حصل لقصد الاحتجاج به لمن يزعمه ، والاحتجاج به على من ينكره ، وهذا هو الوارد في قوله : (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) [النور : ٤].
وجعل المأمور به طلب الإشهاد لأنّه الذي في قدرة المكلّف وقد فهم السامع أنّ الغرض من طلب الإشهاد حصوله. ولهذا أمر المستشهد ـ بفتح الهاء ـ بعد ذلك بالامتثال فقال : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا).
والأمر في قوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) قيل للوجوب ، وهو قول جمهور السلف ، وقيل للندب ، وهو قول جمهور الفقهاء المتأخرين : مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وسيأتي عند قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ).
وقوله : (مِنْ رِجالِكُمْ) أي من رجال المسلمين ، فحصل به شرطان : أنّهم رجال ، وأنّهم ممّن يشملهم الضمير.
وضمير جماعة المخاطبين مراد به المسلمون لقوله في طالعة هذه الأحكام يا أيها الذين آمنوا.
وأما الصبيّ فلم يعتبره الشرع لضعف عقله عن الإحاطة بمواقع الإشهاد ومداخل