والبخس فسره أهل اللغة بالنقص ويظهر أنّه أخصّ من النقص ، فهو نقص بإخفاء. وأقرب الألفاظ إلى معناه الغبن ، قال ابن العربي في الأحكام في سورة الأعراف : «البخس في لسان العرب هو النقص بالتعييب والتزهيد ، أو المخادعة عن القيمة ، أو الاحتيال في التزيّد في الكيل أو النقصان منه» أي عن غفلة من صاحب الحق ، وهذا هو المناسب في معنى الآية لأنّ المراد النهي عن النقص من الحق عن غفلة من صاحبه ، ولذلك نهي الشاهد أو المدين أو الدائن ، وسيجيء في سورة الأعراف عند قوله تعالى : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) [الأعراف : ٨٥].
وقوله : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً) السفيه هو مختلّ العقل ، وتقدم بيانه عند قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) [البقرة : ١٤٢].
والضعيف الصغير ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) [البقرة : ٢٦٦].
والذي لا يستطيع أن يملّ هو العاجز كمن به بكم وعمّى وصمم جميعا.
ووجه تأكيد الضمير المستتر في فعل يملّ بالضمير البارز هو التمهيد لقوله : (فَلْيُمْلِلْ) لئلا يتوهّم الناس أنّ عجزه يسقط عنه واجب الإشهاد عليه بما يستدينه ، وكان الأولياء قبل الإسلام وفي صدره كبراء القرابة. والولي من له ولاية على السفيه والضعيف ومن لا يستطيع أن يملّ كالأب والوصيّ وعرفاء القبيلة ، وفي حديث وفد هوازن : قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليرفع إليّ عرفاؤكم أمركم» ، وكان ذلك في صدر الإسلام وفي الحقوق القبليّة.
ومعنى (بِالْعَدْلِ) أي بالحق. وهذا دليل على أنّ إقرار الوصي والمقدّم في حق المولّى عليه ماض إذا ظهر سببه ، وإنّما لم يعمل به المتأخّرون من الفقهاء سدّا للذريعة خشية التواطؤ على إضاعة أموال الضعفاء.
(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى).
عطف على (فَاكْتُبُوهُ) ، وهو غيره وليس بيانا له إذ لو كان بيانا لما اقترن بالواو. فالمأمور به المتداينون شيئان : الكتابة ، والإشهاد عليها. والمقصود من الكتابة ضبط صيغة التعاقد وشروطه وتذكر ذلك خشية النسيان. ومن أجل ذلك سمّاها الفقهاء ذكر الحق ، وتسمّى عقدا قال الحارث بن حلزة :