والملائكة ، وأنزل علينا من السماء كتابا نقرأه .. وأجابهم سبحانه في هذه الآية بأنه قد سبق في قضائه وقدره ان يستأصل بالعذاب كل قوم كذبوا بآية جاءت وفق ما طلبوا واقترحوا ، فلقد اقترحت ثمود من قبل على نبيها صالح ناقة خارقة ، ولما جاءتهم على الوصف الذي اقترحوه كفروا بها وعقروها ، فاخذتهم الرجفة وكانوا من الهالكين. وسبق التفصيل في سورة الاعراف الآية ٧٣ و ٧٩ ج ٣ ص ٣٥٠.
وقد سبق في قضاء الله وقدره أن لا يستأصل قريشا التي اقترحت ما اقترحت على رسول الله ، لأن رجالا منها سيتوبون ويؤمنون ، وآخرين يولد لهم من يجاهد في الله حق جهاده ، وفوق هذا فان الله سبحانه قضى وقدر أن تبقى أمة محمد (ص) وشريعته الى يوم يبعثون ، ولهذا وغيره من الأسباب لم يستجب سبحانه الى مقترحات قريش (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً). فما من آية ظهرت أو تظهر على يد نبي من الأنبياء إلا والغاية منها العظة والزجر والتخويف من عذاب ليس له دافع ولا رافع .. فما بالهم يقترحون الخوارق ويستعجلونها ، وهي نقمة عليهم وعذاب.
(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ). سبق أن المشركين اقترحوا الخوارق على رسول الله (ص) وأن الله أوحى اليه انه لو استجاب لهم وعصوا لهلكوا .. ولكن هذا الجواب لم يقنع المشركين ، وقالوا لرسول الله لو كنت نبيا لجئتنا بما اقترحنا .. ولما بلغ الأمر بهم الى هذا الحد خاطب سبحانه نبيه الكريم بقوله : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) أي امض في دعوتك ، ولا تكترث بمن يعاند ويكابر ، فنحن اعلم بالناس وما يقولون ويفعلون ، وهم جميعا في قبضتنا نصدهم عنك وعن ايذائك ، وفي هذا المعنى قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ). ذكر سبحانه أنه قد أرى نبيه رؤيا في منامه ، وانها فتنة للناس ، ولكنه لم يبين ما هي هذه الرؤيا ، ولا المراد من الفتنة ، ومن هنا اختلف المفسرون في معناهما ، وذكر الرازي في تفسيره الكبير ، وابو حيان الاندلسي في البحر المحيط ، ومحمد بن احمد الكلبي في كتاب التسهيل ، ذكروا وغيرهم ايضا أقوالا في تفسير الرؤيا والفتنة ، منها أن النبي (ص)