(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ). دنا موسى (ع) مما ظنه نارا ، فإذا هو نور عظيم أبهى من نور الشمس ، وإذا بصوت رهيب يقول : (أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) تأدبا وتواضعا (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) في المكان المطهر المبارك ، حيث تجلى فيه النور الإلهي ، وارتفع في سمائه صوت الجلال والكمال .. رأى موسى نورا ، سمع صوتا ، ولا شيء سواهما .. قال الامام علي (ع) : ان الله سبحانه لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس .. الذي كلم موسى تكليما ، وأراه من آياته عظيما بلا جوارح ولا أدوات.
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى). والله سبحانه لا يختار لوحيه إلا صفوة الأمناء عليه ، وتقدم نظيره في الآية ١٤٣ من سورة الاعراف ج ٣ ص ٣٩٢. ثم بيّن سبحانه ان الدين الذي أوحى به الى موسى يقوم على أسس ثلاثة : الأول الوحدانية (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا). الأصل الثاني الإخلاص لله في العبادة (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي). الأصل الثالث البعث (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى). المراد بأكاد أخفيها انا أخفيها ، والمعنى ان الله سبحانه أخفى علم الساعة عن عباده ليترقبوا مجيئها في كل وقت ، فيخافوا منها ويعملوا لها ، ثم يستوفوا جزاء عملهم ، ولا يظلموا شيئا.
(فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى). ضمير عنها يعود إلى الساعة لأنها أقرب من الصلاة ، ويجوز أن يعود عليهما معا ، والمعنى عليك يا موسى أن تؤمن بالبعث والحساب والجزاء ، وتعمل له ، ولا تتبع أهواء الجاحدين فتهلك كما يهلكون ، وقلنا فيما تقدم : ان للأعلى أن ينهى من هو دونه عما يشاء حتى لو كان المخاطب بالنهي معصوما .. هذا ، إلى ان النهي عن الشيء لا يدل على إمكان فعله ممن نهي عنه.
(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ