لمن اعتبر ، وخبرا يتناقله الناس جيلا بعد جيل (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) بالحق ولا يعملون به.
(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) ومنها انقلاب العصا ثعبانا ، ولمعان اليد (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) الحجج الدامغة (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ). وأي علو واستكبار أعظم من قول فرعون : أنا ربكم الأعلى .. ما علمت لكم من إله غيري .. وأكثر الناس أو الكثير منهم يحملون هذه الروح الفرعونية ، ويدعون الربوبية لو تهيأ لهم ما تهيأ لفرعون ، ووجدوا من يستجيب لهم كما وجد (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ). ادعى فرعون الربوبية وسام الاسرائيليين سوء العذاب .. يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ، وموسى وهرون من بني إسرائيل ، فكيف يكون تبعا لهما؟.
(فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ). وكل امرئ يجهل قدره ويتجاوز حده فمصيره إلى الهلاك لا محالة (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ). المراد بالكتاب التوراة ، وضمير لعلهم لبني إسرائيل .. ولكنهم لم يهتدوا ولن يهتدوا بعد ان حرفوا التوراة واتبعوا الشهوات ، وملأوا الدنيا فسادا وضلالا .. وقد تكررت قصة موسى وفرعون في كتاب الله مرات ومرات ، وبيّنا السبب الموجب لذلك عند تفسير الآية ٩ من سورة طه ، فقرة : «تكرار قصة موسى» (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) عيسى معجزة لأنه خلق من غير أب ، وأمه معجزة لأنها حملت من غير ذكر. انظر ج ٢ ص ٦١ وما بعدها (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) المراد بها فلسطين لأن السيد المسيح (ع) ولد فيها ، وهي (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) والقرار المكان الذي يستقر فيه الإنسان ويطمئن ، والمعين الماء الجاري.
(يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا