(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ). استدل البعض بهذه الآية على ان الله لا يقبح منه شيء ، ولا يجب عليه شيء ، فله ان يعاقب المطيع ، ويثيب العاصي .. وهذا يتنافى مع عدل الله وحكمته ورحمته .. والصحيح في معنى الآية ان الله سبحانه لما كان عادلا بذاته فلا يجوز لأحد ان يعترض على قوله وفعله لأنه لا يقال للعادل : لما ذا عدلت؟ وللصادق : لما ذا صدقت؟ تماما كما لا يجوز للجاهل بالطب ان يقول للطبيب الماهر : لما ذا وصفت هذا الدواء؟ إن مثل هذا السؤال انما يجوز ويصح من الند الى الند ، من العالم الى مثله ، اما الجاهل فغاية جهده ان يبحث عن العالم ، ويتأكد من علمه بما يراه من العلامات والدلائل ، فإذا صار على يقين منها وجب عليه ان ينقاد ويستسلم للعالم فيما هو عالم به ، تماما كما يستسلم المريض للطبيب .. وقديما قيل : من علم حجة على من لا يعلم ، وإذا كان هذا هو شأن المخلوق مع مخلوق مثله فكيف به مع خالق السموات والأرض؟
قال تلميذ لاستاذه : لما ذا وجدنا ولما ذا نعيش؟
فقال الأستاذ : ولما ذا يا بني تجازف بنفسك في متاهات لا أول لها ولا آخر؟ لما ذا لا تؤمن بالدين فتريح نفسك وتستريح ، وتدع ما لا تستطيع الى ما تستطيع؟ أنت واحد من آلاف الملايين ، وبلدك الذي تعيش فيه واحد من آلاف البلاد ، والكرة الأرضية التي تعيش عليها كوكب من ملايين الكواكب ، والكون الذي يشمل هذه الكواكب جميعا من يدرينا ان له نظائر وأشباها تفوقه ، وهل يستطيع الجزء أن يحيط بالكل؟ وهل تستطيع النقطة في البحر أن تتساءل عن البحر؟
لا أقول لك يا بني : كف عن البحث والتطلع والتأمل ، فان نشد أن الحقيقة سبب من أسباب وجود الإنسان ، ولكن حيث يقصر عقلك عن الفهم والإدراك توقف الى ان تزداد فهما وإدراكا ، فإذا عجزت آخر الأمر سلّم بما هو واقع لأن قصورك عن الفهم لا يعني ان ما هو واقع عبث من العبث ، ولكنه يعني انك لم تفقه بعد حكمة الوجود ، فدعها لخالق الوجود.