لأن الله سبحانه أراد أن يمتحنهم بالمال ليظهروا على حقيقتهم ، ويجازيهم الله على طغيانهم ، قال الإمام علي (ع) : ان الله يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبين الساخط لرزقه والراضي بقسمه ، وان كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب. وفي تفسير الطبري ان رسول الله (ص) أرسل الى يهودي يستدين منه ، فأبى الا برهن ، فحزن رسول الله (ص) فنزلت الآية. وسواء أصحت هذه الرواية ، أم لم تصح فإنها أوضح مثال لقوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا).
نحن الآن في سنة ١٩٦٩ ، ومن حوالى ٣٥ سنة كتب الأديب الشهير مصطفى صادق الرافعي مقالين عن فقر النبي (ص) بعنوان «سمو الفقر» نقتطف منهما الجمل التالية بشيء من التصرف في بعض الألفاظ بقصد الإيضاح :
من تهكم الحياة بأهلها أن يكون الفقير فقيرا ، وهو يعلم ان صناعته في المدنية عمل الغنى للأغنياء ، وأن يكون الغني غنيا ، وهو يعلم ان عمله في المدنية صنعة الفقر لضميره .. ومحمد (ص) عاش فقيرا ، ولكن فقره يعد من معجزاته الكبرى التي لم يتنبه اليها أحد الى الآن .. كان محمد (ص) يملك المال ، ولكنه كان أجود به من الريح ، لا يدعه يتناسل عنده ، بل ولا يستقر إطلاقا.
كان ـ وهو سيد أمته وصاحب شريعتها ـ رجلا فقيرا يكدح لعيشه ، يجوع يوما ، ويشبع يوما ، وهدفه الأول من وراء ذلك أن يثبت وحدة الانسانية ، ويقر التوازن بين أفرادها ، وان يعلم كل انسان ان حل مسائله الشخصية وحدها هو تعقيد لمسائل المجتمع ، وان مصلحته في حقيقتها وواقعها هي التي تلد لغيره مصلحة مثلها لتحيا بها ومعها ، لا أن تأكل مصلحة غيره ليهلكا معا.
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها). والصبر على الصلاة ان لا يؤثر عليها أي عمل من الأعمال. وفي تفسير الرازي : ان رسول الله (ص) كان بعد نزول هذه الآية يذهب الى فاطمة وعلي (ع) كل صباح ويقول : الصلاة الصلاة ،