المعنى :
(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً). السفينة تجري على وجه البحر بالأسباب الطبيعية ، ما في ذلك ريب ، ولكن هذه الأسباب تنتهي اليه تعالى لأنه خالق الكون بما فيه ، ومن هنا صح أن يسند جريان السفينة اليه تعالى ، والحكمة في ذلك أن يكون الإنسان دائما على ذكر بأن الله هو الفاعل المتصرف في الكون ، وليس الطبيعة. أما الغرض من الفلك فهو تسهيل المواصلات (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَ ـ أي ذهب ـ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً). تقدم نظيره مع التفسير في سورة يونس ، الآية ٢٢ وما بعدها ج ٤ ص ١٤٧.
(أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً). الناس كلهم في قبضته تعالى أينما كانوا ، حتى ولو تحصنوا في بروج مشيدة ، فان كانوا في البحر اهلكهم بالغرق ان شاء ، أو في البر خسف بهم الأرض أو أمطر عليهم حجارة من السماء ، وان كانوا في قلعة محصنة هدمها على رؤوسهم .. ولا يأمن العواقب إلا جهول.
(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً). ضمير فيه يعود الى البحر ، والقاصف من الريح هو الهواء الذي يكسر السفينة ويحطمها ، والمراد بالتبيع المطالب بالدم ونحوه ، والمعنى لنفترض انه لا وسيلة للهلاك إلا البحر ، فان الله سبحانه قادر على أن يعيدكم اليه ، ويغرقكم فيه بريح عاصفة قاصفة ، ولا أحد يتبعه ويطالبه بما يفعل بكم.
ويتلخص معنى الآيات أن الجاهل ان خاف دعا الله مضطرا ، وان أمن أعرض عنه مغترا ، مع أن الله سبحانه قادر على نفعه وضره في شتى أحواله ، أما المؤمن العاقل فيتعظ بالضراء والسراء معا : يخافه في هذه ، ويرجو عونه في تلك.
(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ