من الأمم الذين كذبوا رسلهم ، ثم يوجد سبحانه قوما لا يمتون الى الهالكين بسبب ولا بنسب ، فيورثهم أملاكهم وديارهم ، فيعيدون بناءها من جديد ، ويتمتعون بخيراتها وبركاتها.
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ). هذا تصوير لحال المشركين حين ينزل بهم عذاب السماء .. انهم يعدون ويسرعون هربا منه .. ولكن هيهات أين المفر من سلطان الله وقضائه؟ ولو هربوا من قبل الى الله لوجدوا عنده الأمن والأمان ، أما الهرب من الله فهو تماما كهرب الإنسان من ظله وأجله (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ). قبل أن ينزل العذاب بالمشركين كانت لاهية قلوبهم عن كل شيء إلا عن أموالهم وترفهم ، وحين نزل بهم العذاب عميت أبصارهم وبصائرهم عن كل شيء ، وأطلقوا سيقانهم للهواء لا يلوون على مال ولا بنين .. فقال لهم سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع : الى أين؟ ارجعوا الى مساكنكم وأموالكم وأولادكم .. أتتركونها الآن ، وقد كنتم بالأمس تعبدونها من دون الله؟ هذا جزاء من ترك الرشد ، ولم يهتد الى قصد.
(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ). اطمأنوا لترفهم ، ودانوا لشهواتهم ، واتهموا الناصح الأمين ، ولما رأوا العذاب ندموا ودعوا بالويل والثبور ، ولكن الحسرات لا ترجع ما قد فات (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ). هم يكررون الدعاء بالويل ، والعذاب ينصب على رؤوسهم تلو العذاب ، حتى أصبحوا أثرا بعد عين .. وما أغنى عنهم جاه ولا مال ، بل تنكر لهم كل شيء وتلك عاقبة المجرمين.
(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ