ذكرت لمجرد بيان الواقع ، وإنه إذا أرادت الأمة العفة والصون فبالأولى ان تريدوها أنتم .. ولو أريد بكلمة (ان) التعليق والشرط حقيقة لكان المعنى : عليكم أن تكرهوا الفتيات على فعل الزنا ان أردن الزنا .. وبداهة ان الإكراه لا يتصور مع وجود الارادة ، تماما كما لا يتصور ركوب الدراجة من الولد مع عدم وجوده.
وبتعبير ثان ان كلمة (ان) و (إذا) وما اليهما تدل على شيء واحد في مقام ، وتدل على شيئين في مقام آخر ، وتسمى احدى الدلالتين بدلالة المنطوق ، والثانية بدلالة المفهوم في اصطلاح أهل الأصول ، والمنطوق هو النص الحرفي الذي يتفوه به المتكلم ، والمفهوم هو الذي لم ينطق به ، ولكن يدل عليه بالتلويح والاشارة ، لا بالنص والعبارة ، ومثال ذلك ان تقول لصاحبك : ان أكرمتني أكرمتك ، فالمنطوق هنا يدل على إكرامك له عند إكرامه لك.
أما المفهوم فهو الذي يشير اليه المنطوق ، ويستفاد من مضمونه لا من نصه ، وهو في المثال المذكور ان لم تكرمني فأنا لا أكرمك ، فهذه الجملة لم ينطق بها المتكلم ، ولكنها مفهومة من منطوق كلامه المشتمل على (ان). والآية التي نحن بصددها من النوع الأول أي لها دلالة واحدة ، وهي دلالة المنطوق والعبارة فقط ، وليس لها دلالة المفهوم والاشارة إطلاقا .. والمنطوق الذي دلت عليه الآية هو عدم جواز الإكراه على الزنا مع ارادة الستر ، ولا شيء وراء هذه الدلالة على الإطلاق ، لأن هذا الشيء الذي وراء المنطوق لا يخلو ان يكون واحدا من اثنين : إما جواز الإكراه على الزنا مع ارادته والرغبة فيه ، وهذا محال لأن الإكراه على الشيء لا يجتمع مع ارادته والرغبة فيه ، وهذا واضح ، واما جواز الإكراه مع عدم ارادته ، وهذا محال من الله لأنه تعالى لا يجيز الفحشاء بحال من الأحوال.
(وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) للمكرهات على الزنا لأن العقاب على من أكره ، لا على من استكره ، قال الرسول الأعظم (ص) : رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه .. ومن أكره غيره على الحرام يغفر له الله إذا