الحديث : «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء».
(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ). أنكروا نبوة محمد (ص) وتعللوا بأنه فقير ومسحور ، وهم كاذبون حتى عند أنفسهم ، والدافع الأول هو الخوف على مصالحهم ومنافعهم .. وقالوا : لا حشر ولا نشر كيلا ينكر عليهم منكر بأنهم يؤثرون الفاني على الباقي .. وكل من قاس الفضيلة بالمال ، وآثره على مرضاة الله فهو في حكم من كذّب بلقاء الله ، وان آمن به نظريا (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً). قيل: ان الرؤية والتغيظ والزفير هي صفات لخزنة النار الموكلين بها ، وعليه يكون في الكلام حذف مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ). وقيل : ان الله يخلق في النار غدا حياة وعقلا .. وقال ثالث : بل هي صفات لأهل النار ، ونسبت الى النار مبالغة. وفي رأينا انها كناية عن أليم العذاب وشدة الهول.
(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً ، لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً). ان نار الله لا تضيق بشيء ، كما صرحت بذلك الآية ٢٩ من ق : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ). والمراد من الضيق ان أهل النار يضيقون بها ويستكرهون على الدخول فيها ، فقد سئل رسول الله (ص) عن هذه الآية : فقال : «والذي نفسي بيده انهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط» أي يدخل فيه بالضرب والضغط. وتقدم مثل هذه الآية في سورة ابراهيم الآية ٥١ ، فقرة «جهنم والأسلحة الجهنمية». (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً). تدل كلمة «على» في الآية على ان الله سبحانه قد كتب على نفسه الوفاء بالوعد كما كتب عليها الرحمة. ومسؤولا أي ان المطيع له الحق في ان يسأل الله الوفاء بوعده .. وفي تفسير الرازي : إن قيل : كيف يقال : العذاب خير أم جنة الخلد؟ وهل يجوز ان يقول العاقل : السّكر أحلى أم العلقم؟ قلنا : هذا يحسن في معرض التقريع ، كما إذا أعطى السيد عبده مالا ، فتمرد واستكبر ، فضربه ضربا موجعا ، وهو يقول له على سبيل التوبيخ : هذا أطيب أم ذاك؟