المعنى :
بعد ان ذكر سبحانه الذين يعيشون في غمرة ، ويحسبون ان الله يسارع لهم في الخيرات ـ ذكر المؤمنين وانهم يتصفون بالخصال التالية :
١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ). وتسأل : ان الخشية هي الخوف ، والإشفاق يتضمن معنى الخوف ، أو هو أقصى حدوده ودرجاته كما قيل ، وعليه يكون المعنى انهم خائفون من الخوف ، وهو غير مستقيم؟ الجواب : المراد بالاشفاق هنا الحرص على طاعة الله ، وتقدير الكلام هكذا : هم يحرصون على طاعته تعالى خوفا من عذابه.
٢ ـ (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ). المراد بالآيات هنا الدلائل على وجود الله وعظمته ، ونبوة أنبيائه ، وصدق كتبه.
٣ ـ (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ).
وتسأل : ان الذين يؤمنون بآيات الله هم الذين لا يشركون ، فما وجه العطف والتعدد؟.
وأجاب الرازي بأن المراد بالشرك هنا الشرك الخفي كالرياء وعدم الإخلاص في العمل ، والمراد بالايمان في الآية السابقة مجرد التصديق.
٤ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ). ينفقون مما أعطاهم الله ، ويؤدون حقوقه وحقوق الناس كاملة ، ومع هذا يخافون الله ان لا يتقبل منهم.
(أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ). اللام في لها للتعليل ، والهاء تعود الى الخيرات ، وسابقون أي الى الجنة ، والمعنى ان هؤلاء الذين توافرت فيهم هذه الخلال يسرعون الى طاعة الله ، ولا يتوانون ، وهم من أجل ذلك يسبقون الناس غدا الى الجنة (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) لأن تكليف ما لا يطاق ظلم ، والله الذي نهى عن الظلم لا يفعله (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ) سجل لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها ، ويجزي الله عليها ، ان خيرا فخير وان شرا فشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). بنقص ثواب من أحسن ، ولا بزيادة عذاب من أساء.