وجهده .. هذا مع مشيئة الله وارادته ، وإلا فإن العبد لا يصل إلى شيء إذا أبى الله ذلك حتى ولو عمل ليله ونهاره .. إن الله لا يعطي ما أردنا إلا إذا أراد ، وهذا معنى قوله تعالى : (ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) .. (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً) لأنه لا يؤمن إلا بمصلحته ، ولا يهتم إلا بنفسه ، ولا يعمل إلا لها.
(وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً). وسعى لها سعيها أي أراد الخير وفعله وآمن به لا لشيء إلا لوجه الله والخير ، وهذا هو الذي يستحق الدرجات العلى عند الله وعند الناس ، أما من يعمل للربح والتجارة فإن له نار جهنم يصلاها مذموما مدحورا. قال الرسول الكريم (ص) : «من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر اليه». ونخلص من هذا ان للإسلام منهجا يوجه الإنسان إلى فعل الخير وهجر الشر لذاتيهما ، فيلتزم الصدق ـ مثلا ـ لأنه يجب أن يلتزم ، ويلتزم اجتناب الكذب لأنه يجب أن يجتنب ، وهكذا سائر الفضائل والرذائل ، وقد عبّر الرسول الأعظم (ص) عن هذا المنهج بأبلغ تعبير ، حيث قال : «انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ومن الواضح ان الخلق لا يكون كريما إلا إذا كان خالصا من كل شائبة.
(كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) اشارة إلى كل من الفريقين ممن يعمل لنفسه وحدها ، وممن يعمل لوجه الله والخير (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ ، وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً). وعطاء الله للإنسان يبتدئ بخلقه وإيجاده الذي لا يعطى إلا منه ، ثم بأسباب بقائه ونموه ، وهذا العطاء يعم الصالح والطالح ، أما عطاؤه في الآخرة فيختص بالصالحين المتقين.
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ). إن الله سبحانه لا يقسم الناس إلى طبقات ، ولا يعطي امتيازا في الحقوق الانسانية لفرد ، دون فرد ، أو فريق دون فريق ، كيف وهو القائل : إن أكرمكم عند الله أتقاكم؟. وعلى هذا يكون التفضيل بين الناس في الدنيا في غير الحقوق الانسانية ، كالصحة ، والعمر ، والرزق عن طريق العمل أو الإرث أو غيره ، من الأسباب التي أحلها الله سبحانه ، أما