لله في خلقه؟ فأين الدليل؟ (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) القرآن (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) الكتب السماوية الأخرى كلها تأمر بالتوحيد ، وتنهى عن الشرك ، وإذا انتفى الدليل على الشرك من العقل والنقل تعين أن يكون مصدره العمى والجهل (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ). هذا تقريع وتوبيخ على جهلهم وضلالهم.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ). هذه الآية بيان وتفسير للآية التي قبلها ، فالأولى تقول : لا أثر للشرك في كتب الله ، وهذه تقول: ما أرسل رسولا إلا بالتوحيد ، والإخلاص لله في العبادة. (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ). قال اليهود أو طائفة منهم : عزير ابن الله. وقالت النصارى : المسيح ابن الله. وقالت بعض قبائل العرب : الملائكة بنات الله .. فرد الله على الجميع بأن هؤلاء الذين ذكرتم هم عباد ، لا أولاد ، ولهم عند ربهم منزل كريم. ومن الطريف ما جاء في تفسير الطبري نقلا عن الذين قالوا : الملائكة بنات الله : «ان الله تزوج الجن فأولدهم الملائكة» والى هذا يومئ قوله تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) ـ ١٥٨ الصافات.
ثم بيّن سبحانه السبب لمنزلة عزير والمسيح والملائكة عند الله ، بيّن السبب بقوله : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) انهم لا يعملون بالرأي والقياس (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ). ما بين أيديهم كناية عن أعمالهم الحالية ، وما خلفهم كناية عن أعمالهم الماضية ، والمعنى انه تعالى قد أحاط علما بجميع أعمالهم الخيرة ، ومقاصدهم الحسنة ، وهو يجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.
(وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى). هذا رد على من عبد نبيا أو وليا أو ملكا طمعا في ان يشفع له عند الله ، ووجه الرد ان العباد المكرمين يشفعون للموحدين المرضيّين عند الله ، لا للمشركين المغضوب عليهم.
(وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) على أنفسهم مع إخلاصهم ومكانتهم عند الله (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ). فهؤلاء العباد المكرمون لو ادعى أحدهم انه إله من دون الله أو شريك له فجزاؤه عذاب الحريق ، تماما كجزاء غيره من المشركين من دون تفاوت.