تأتيهم فاعل منع. وقبلا حال من العذاب. وما أنذروا (ما) اسم موصول في محل نصب عطفا على آياتي. وهزوا مفعول ثان لاتخذوا.
المعنى :
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً). المراد بالإنسان هنا أكثر الناس لقوله تعالى في العديد من الآيات : أكثر الناس لا يعقلون .. أكثر الناس لا يعلمون .. أكثر الناس لا يؤمنون. أما القرآن الكريم فهو كتاب الله الى عباده يهديهم بدلائله ومواعظه ، ويحثهم على التمسك بأحكامه وتعاليمه. وقد أوضح سبحانه هذه المواعظ والدلائل بشتى الأساليب ، وضرب عليها من أجل ذلك الكثير من الأمثال ، منها الرجلان المذكوران في الآية ٣٢ ، وتشبيه الحياة بالماء في الآية ٤٥ من هذه السورة ، ولكن أكثر الناس لا يعقلون ويخاصمون في أوضح الواضحات ، ويحاولون إبطال الحق ودحضه بالمماراة والأكاذيب.
(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً). المراد بالهدى القرآن وبيناته الواضحة ، وبالاستغفار التوبة ، وبسنة الأولين الإهلاك كما حدث لقوم نوح ولوط وعاد وثمود ، والمعنى ان المشركين لا يحاولون ان يؤمنوا بالله أو يفكروا بالايمان إلا عند ما يوجد احد أمرين ، الأول أن ينزل بهم عذاب الاستئصال كما نزل بمن كان قبلهم ، فيؤمنوا حيث لا يغني الايمان عنهم شيئا ، كفرعون الذي آمن بالله لما أيقن بالهلاك والغرق. الأمر الثاني أن يروا العذاب عيانا وجها لوجه.
وبكلام آخر ان الله سبحانه بعد أن بيّن في الآية السابقة انه قدّم الدلائل الواضحة ، وأبى أكثر الناس الا الكفر والجدال بالباطل ، بعد هذا قال في هذه الآية : وما تغني الآيات والنذر عند قوم لا يؤمنون الا عند سكرات الموت ، أو حين يهدّدون بالعذاب الذي يرونه بأعينهم ويعتقدون انه نازل بهم لا محالة إذا خالفوا الرسل.
(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ). هذه هي مهمة الرسل تبشير من أطاع بالنعيم ، وإنذار من عصى بالجحيم. وتكرر هذا المعنى أكثر من مرة.