احترازا عن مثل قولهم للبليد : ليس بإنسان ، ولا حاجة إليه (١) ، لأنّ المراد صحّة سلب المعاني الحقيقيّة حقيقة ، والأصل في الاستعمال الحقيقة ، فالقيد غير محتاج إليه وإن كان مؤدّاه صحيحا في نفس الأمر.
وقد اورد على ذلك : باستلزامه الدّور المضمر بواسطتين (٢) ، فإنّ كون
__________________
ـ بإنسان. ويمكن أراد المصنف الفاضل الجواد حيث زاد في شرحه «للزبدة» قيدا للصحة زاعما أنّه لولاه انتقضت علامة المجاز بنحو البليد ليس بإنسان بزعم أنّ الصحة أعم منها بحسب الصورة وبحسب نفس الأمر ، فمسّت الحاجة الى اعتبار هذا القيد في التعريف احترازا عن مثالهم المذكور.
(١) لا حاجة الى قيد نفس الأمر كما ذهب إليه المصنف ، وذلك لأنّ صحة السلب مجاز في السلب بحسب الصورة ، وحقيقة في السلب بحسب نفس الأمر ، فلفظ السّلب عند الاطلاق لا يفيد إلّا السّلب الحقيقي إذ الأصل في الاستعمال الحقيقة لا المجاز.
(٢) الدّور على ما عرّفه أصحاب المعقول عبارة عن كون الشيء موقوفا على موقوف نفسه فهو المصرّح ، وإن كان على موقوف موقوفه فهو مضمر بواسطة واحدة أو على موقوف ، موقوف موقوفه فهو مضمر بواسطتين وهكذا. وإن أردت زيادة في التوضيح فاعلم أنّ توقف الشيء يتصوّر أوّلا بوجهين : لأنّه إما أن يكون بحيث يتوقف وجوده على وجوده ، وهذا توقف الشيء على نفسه ، أو يتوقف وجوده على وجود غيره وكان وجود ذلك الغير أيضا موقوفا على وجود ذلك الشيء فهو المسمى بالدّور. وهو على أقسام ثلاثة دور معيّ ودور حقيقي مصرّح ودور حقيقي مضمر. الدور المعيّ وهو ما كان وجود كل واحد من الشيئين بواسطة الآخر من دون أن يكون أحدهما علّة للآخر كاللّبنتين القائم كل منهما بالآخر ، فإنّ الوجود القائم منهما موقوف على وجود القيام في الاخرى من دون العلّية في البين ، ووجه التسمية به كون التوقف فيه عبارة عن مجرّد التقارن في الوجود والمصاحبة وهذا القسم صحيح لا غبار عليه. وإن كان أحد الطرفين موقوفا على الطرف الآخر أو كان هو أيضا موقوفا على نفس الطرف الأوّل بلا ـ