غير أنه استفيد من سفره هذا نشر كتب «أحكام القرآن» للإمام أبي بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصّاص المتوفى سنة ٣٧٠.
فقد وجد منه شيخنا عدة نسخ في مكاتب الآستانة في تردده إليها أثناء وجوده ، فسعى لدي نظارة الأوقاف ثمة وحسّن لها طبعه ، فوافقت على ذلك ، وطبع الكتاب في الآستانة في ثلاثة مجلدات في مطبعة الأوقاف الإسلامية ، وهو كتاب جليل من كتب المتقدمين الجديرة بالنشر ، وقد صحح معظمه بنفسه فجزاه الله خيرا.
وكان نظمه متينا محكما لا حشو فيه ، حسن السبك منسجما ، غير أنه لم تكن عنايته به كثيرة ، لا ينظم إلا عند الاقتضاء والطلب. ولم يعن بجمعه فذهب ما صاغه من عقوده كأن لم يكن. والذي بقي محفوظا من آثاره الشعرية منظومته للشمسية في المنطق ومنظومته المسماة حدائق الرند في ترجمة ترجيع بند ، وهي محتوية على كثير من الحكم والأمثال والمواعظ والحقائق ، ويستشهد الآن بالكثير من أبياتها ، أولها :
ذا معمل الصنع العجيب مكتب |
|
نقوشه عن علم غيب تعرب |
وفلك طاحونة المصائب |
|
والناس فيها مثل حب ذاهب |
ملتقما أفراخه كالعفريه |
|
وهو كوكر الطير واهي الأروية (١) |
ومن يحقق يجد الأشياء |
|
مناما او خيالا او هباء |
وكل شيء للتناهي ينقلب |
|
فانظر فصول العام كيف تنقلب |
والمرء عن كسب اليقين عازب |
|
والاعتقاد عن حجاه غائب |
يا رب ما هذا العناء واللدد |
|
وحاجة المرء بكسرة تسدّ |
لا عاصم من قدر السماء |
|
بل كل شيء هدف القضاء |
والأصل أن يظهر مقدور الأزل |
|
والخطء والصواب في الناس علل |
وكل تأثير من الرحمن |
|
لا حكم للأفلاك والأزمان |
سبحان من قد حيّر العقولا |
|
بصنعه وأعجز الفحولا |
وهذا هو الفصل الأول ، وقال في الفصل الرابع :
__________________
(١) العفرية : العفريت. والأروية : جمع رواء ، وهو الرباط الذي يربط به الشيء. ا ه من الأصل.