حضر والدي إلى حلب من ريحا وهو في سن العشرين ، وقعد أجيرا عند بعض الصباغين ، ثم حبب إليه طلب العلم فتلقاه عن الشيخ أحمد الترمانيني. ثم توجه إلى مصر فانتظم في عقد طلبة الأزهر وتلقى هناك عن كثيرين ، وكان جل تحصيله على العالم الشهير الشيخ تميم ، وبعد عودته من مصر حمل كتابه وذهب للحضور على الأستاذ الكبير الشيخ أحمد الترمانيني ، فاستشكل الشيخ في عبارة ، وبعد التأمل فيها كثيرا قال لمن حضر من تلامذته : إني لم أفهم هذه المسألة ، فمن كان عنده فيها علم فليقل ، فسكت من بحضرة الأستاذ تأدبا معه ، فأعاد العبارة ثانيا وثالثا ، فعندها قال المترجم : إني أعلم شيئا عن هذه المسألة تلقيته عن شيخي الشيخ تميم المصري ، ثم سرد ما عنده ، فأعجب الأستاذ بذلك وأطرق مليا ثم قال له : يا شيخ مصطفى ، من كان مثلك في هذه المنزلة لا ينبغي أن يحضر عليّ ، وعليك أن تنشر علمك في الناس. فامتثل المترجم أمره وصار يقرأ حاشية ابن عابدين في المدرسة القرناصية ، وعين مدرسا لها (١) ، وتولى أمانة الفتوى في عهد مفتي حلب تقي الدين باشا وفي أيام مفتيها محمد أسعد أفندي الجابري ثم في أيام الشيخ محمد بهاء الدين الرفاعي ، وتلقى العلم عنه كثيرون ، من أجلّهم الشيخ علي القلعجي والشيخ بكري الزبري والشيخ أحمد الزويتيني ، والأخيران توليا إفتاء حلب كما سيأتي في ترجمتهما إن شاء الله تعالى.
وكان أستاذنا الشيخ محمد أفندي الزرقا يثني على علمه وفضله وطول باعه في علم الفقه ويقول : إنه لم يكن في عصره في حلب من يدانيه في الفقه الحنفي.
وتوفي عن أربع وستين عاما ، ودفن في تربة الجبيلة رحمهالله تعالى.
١٢٣٥ ـ الشيخ محمد الخيّاط المتوفى سنة ١٢٨٢
الشيخ محمد الخيّاط الشافعي ، من أهالي محلة قارلق.
كان فاضلا زاهدا ، له شهرة في علم الفرائض ، وكان من القانعين من هذه الدنيا
__________________
(١) صار مدرسها سنة ١٢٥٥ بعد وفاة مدرسها العالم الفاضل الشيخ محمد الخالطوماني كما وجدته بخط الشيخ عبد القادر المشاطي في مجموعته.