وتدبيره عليه ، وكان كاتب ألفتكين المعروف بابن الخمّار ، وهو يرى غير رأي المغاربة ، ويزري عنده على اعتقادهم ، ويقرّر في نفسه وجوب قتالهم ، ووقف جوهر على كتابه فعلم أنه مصرّ على الحرب ، فسار إليه حتى إذا قرب منه ، ووصل إلى دمشق نزل في العسكر بالشماسيّة ، وبرز إليه ألفتكين في أصحابه ومن حشده من العرب وغيرهم ، ونشبت الحرب بين الفريقين ، واتصلت مدة شهرين ، وقتل فيها عدد كثير من الطائفتين ، وظهر من شجاعة ألفتكين والغلمان الذين معه ما عظموا به في النفوس ، وتحصّلت لهم الهيبة القوية في القلوب ، وأشار عليه أهل دمشق بمكاتبة أبي محمد الحسن بن أحمد القرمطي (١) ، واستدعائه للاجتماع به على دفع المغاربة ، ففعل وسار الحسن متوجها إليه في عسكره ، وعرف جوهر خبره ، فعلم أنه متى حصل بين عدوّين ربما تمّ عليه مكروه منهما ، فرجع إلى طبرية ، ووصل الحسن بن أحمد إلى ألفتكين ، واجتمعا وتحالفا ، وتعاقدا وسارا في أثر جوهر ، فاندفع منهما إلى الرملة ، وأقام بها ، وأنفذ رحله وأثقاله إلى عسقلان ، وكتب إلى العزيز يعرّفه بصورة الحال ويستأذنه في قصد عسقلان إن دعته إلى ذلك ضرورة ، ووافى ألفتكين والحسن بن أحمد القرمطي ونزلا على الرملة ، ونازلا جوهرا وقاتلاه ، واجتمع إليهما من رجال الشام وعربها تقدير خمسين ألف فارس وراجل ، ونزلوا بنهر الطواحين (٢) على ثلاثة فراسخ من البلد ولا ماء لأهله إلا منه ، فقطعاه عنهم ، واحتاج جوهر وعسكره إلى الماء المجتمع من المطر في الصهاريج وغناء له قليل ، ومادّته إلى نفاد ، ورأى جوهر أنه لا قدرة له على المقام ومقاومة القوم ، فرحل إلى عسقلان في أول الليل ، ووصل إليها في آخره ، وتبعه ألفتكين والقرمطي إليها ، ونزلا عليها وحاصراه فيها ، وضاقت الميرة به ،
__________________
(١) الحسن الأعصم زعيم قرامطة الأحساء انظره في كتابي أخبار القرامطة : ٦٨ ، ٧٣ ، ٣٦٣ ـ ٣٨٣ ، ٣٩٣ ، ٤٠٢ ـ ٤٠٥.
(٢) نهر الرملة كانت عنده طواحين كثيرة ـ معجم البلدان.