معرفتي بعجزكم عن حفظ أعمالكم ، والذب عنها ، والتقصير الذي دعاكم الى الاستصراخ بالأفرنج على محاربتي ، وبذلكم لهم أموال الضعفاء والمساكين من الرعية ، ظلما لهم وتعديا عليهم ، وهذا ما لا يرضي الله تعالى ، ولا أحد من المسلمين ، ولا بد من المعونة بألف فارس مزاحي العلة ، تجرد مع من يوثق بشجاعته من المقدمين لتخليص ثغر عسقلان وغيره.
فكان الجواب عن هذه الرسالة : ليس بيننا وبينك إلا السيف ، وسيوافينا من الأفرنج ما يعيننا على دفعك إن قصدتنا ، ونزلت علينا ، فلما عاد الرسول بهذا الجواب ، ووقف عليه ، أكثر التعجب منه ، والإنكار له ، وعزم على الزحف الى البلد ، ومحاربته في غد ذلك اليوم ، وهو يوم الأربعاء الخامس والعشرون من نيسان ، فأرسل الله تعالى من الأمطار وتداركها ودوامها ، ما منعه من ذلك ، وصرفه عنه.
ودخلت سنة خمس وأربعين وخمسمائة
أولها يوم الاثنين مستهل المحرم ، وفيه تقرر الصلح بين نور الدين وأرباب دمشق ، والسبب في ذلك أن نور الدين أشفق من سفك دماء المسلمين إن أقام على حربها والمضايقة لها ، مع ما اتصل به من أخبار دعته الى ذلك ، واتفق أنهم (١٦٨ و) بذلوا له الطاعة ، وإقامة الخطبة له على منبر دمشق ، بعد الخليفة والسلطان والسكة ، ووقعت الأيمان على ذلك ، وخلع نور الدين على مجير الدين خلعة كاملة بالطوق ، وأعاده مكرما محترما ، وخطب له على منبر دمشق يوم الجمعة رابع عشر المحرم ، ثم استدعى الرئيس الى المخيم ، وخلع عليه خلعة مكملة أيضا ، وأعاده الى البلد ، وخرج إليه جماعة من الأجناد والخواص الى المخيم ، واختلطوا به ، فوصل من استماحه من الطلاب والفقراء والضعفاء ، بحيث ما خاب قاصده ، ولا أكدى من سأله ، ورحل عن مخيمه ليلة الأحد عائدا الى حلب ، بعد إحكام ما قرر ، وتكميل ما دبّر.