ألفتكين به ، فأشار باخراج القائد جوهر إليه مع العساكر ، فأمر بالشروع في ذلك وترتيب الأمر فيه.
وعرف ألفتكين ذلك وما وقع العزم عليه ، فجمع وجوه أهل دمشق وأشرافها وشيوخها ، وقال لهم : قد علمتم أنني لم أتوسطكم وأتولى تدبيركم إلا عن رأيكم ومرادكم ، وقد طلبني من هذا السلطان ما لا طاقة لي به ، وأنا منصرف عنكم وداخل إلى بلاد الروم ، وعامل على طلب موضع أكون فيه ، وأستمد ما أحتاج إليه منه ، لئلا يلحقكم بقصد من يقصدكم ما يثقل به الوطأة عليكم ، وتصل به المضرة إليكم ، وكان أهل دمشق يأبون المغاربة لمخالفتهم لهم في الاعتقاد ، ولأنهم أمويون ، ولقبح سيرة الناظرين الذين كانوا عليهم ، فقالوا : اما اخترناك لرئاستنا ، وسياستنا على أن [لا] نمكنك من تركنا ومفارقتنا أو نألوك جهدا من نفوسنا ومساعدتنا ونفوسنا دونك ، وبين يديك في المدافعة عنك ، وجددوا له التوثقة على الطاعة والمناصحة.
وفصل جوهر في العسكر الكثيف (١) من مصر بعد أن استصحب أمانا من العزيز بالله لألفتكين ، وخاتما ودستا من ثيابه وكتابا إليه بالعفو عنه ، وعمّا فرط منه ، فلما حصل بالرملة كاتب ألفتكين بالرفق والملاطفة ، وأن يبلغ له ما يريد وأعلمه ما قرّره له مع العزيز بالله ، وأخذه أمانه المؤكد والتشريف الفاخر ، وأشار عليه في أثناء ذلك بترك إثارة الفتنة وأن يطلب صلاح الحال من جهته وأقرب طرقه ، فلما وصل الكتاب إليه ووقف عليه ، أجابه عنه بالجميل من (١٥ و) الجواب ، والمرضيّ من الخطاب ، والشكر على ما بذله له من نفسه ، وغالطه في المقال واحتجّ عليه بأهل دمشق فيما يصرف رأيه
__________________
(١) ذكر المقريزي في كتابه المقفي في ترجمة جوهر الصقلبي : «وسار من القاهرة في عسكر لم يخرج الى الشام قبله مثله ، بلغت عدتهم عشرين ألفا». أنظر كتابي مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية ص : ٢٤٢.