وغلت الأسعار عنده ، وكان الوقت شتاء لم يمكن حمل الأقوات إليه في البحر ، واشتدّت الحال حتى أكلت المغاربة وأهل البلد الدواب الميتة ، وابتاعوا الخبز إذا وجدوه (١٥ ظ) حساب كل خمسة أرطال بالشامي بدينار معزّي ، وكان جوهر شجاعا مبارزا ، وربّما خرج وتقدّم وإذا وجد فرصة من ألفتكين دعاه إلى الطاعة وبذل له البذول المرغّبة فيسترجعه ألفتكين ويسترجله ويهم أن يقبل منه ويجيبه ، ثم يثنيه عنه الحسن بن أحمد وابن الخمّار الكاتب ، ويمنعناه ويخوّفانه ويحذّرانه ، وزاد الضيق والشدّة على المغاربة ، وتصوّر جوهر العطب إن لم يعمل الحيلة في الخلاص ، فراسل ألفتكين سرا وسأله القرب منه والاجتماع معه ، ففعل ذلك ألفتكين ووقفا على فرسيهما فقال له جوهر : قد علمت ما يجمعني وإياك من حرمة الاسلام وحرمة الدين ، وهذه فتنة قد طالت وأريقت فيها الدماء ، ونحن المأخوذون بها عند الله تعالى ، وقد دعوتك إلى الصلح والموادعة والدخول في السلم والطاعة ، وبذلت لك كل اقتراح ، وإرادة واحسان وولاية فأبيت إلّا القبول ممّن يشبّ نار الفتنة ويستر عنك وجه النصيحة ، فراقب الله تعالى ، وراجع نفسك وغلّب رأيك على هوى غيرك ، فقال له ألفتكين : أنا والله واثق بك وبصحة الرأي والمشورة منك ، لكنني غير متمكن مما تدعوني إليه ولا يرضى القرمطي بدخوله فيه معي ، فقال له : إذا كان الرأي والأمر على ذلك فإني أصدقك على أمري تعويلا على الأمانة وما أجده من الفتوة عندك فقد ضاق الأمر وامتنع الصبر وأريد أن تمن عليّ بنفسي وبهؤلاء المسلمين الذين معي وعندي ، وتذمّ لي لأمضي وأعود إلى صاحبي شاكرا ، وتكون قد جمعت بين حقن الدماء ، واصطناع المعروف ، وعقدت عليّ وعلى صاحبي منّة تحسن الأحدوثة عنك فيها ، وربّما أملت المقابلة لك عنها ، فقال له ألفتكين : أفعل وأمنّ على أن أعلّق سيفي ورمح الحسن بن أحمد على باب عسقلان وتخرج أنت وأصحابك من