وورد الخبر بأن مصبح بن ملاعب الذي أفلت من نوبة أفامية التجأ إلى طنكري صاحب أنطاكية ، وحرضه على العود إلى أفامية ، وأطعمه في أخذها لقلة القوت بها ، فنهض اليها ، ونزل عليها ، وضايقها إلى أن تسلمها بالأمان في الثالث عشر من المحرم سنة خمسمائة ، فلما حصل ابن القنج السرميني الباطني في يده قتله بالعقوبة ، وحمل أبا طاهر الصائغ معه وأصحابه أسرى ، ولم يف لهم بما بذل من الأمان ، وكان القوت قد نفذ من أفامية ، ولم تزل الأسرى في يده إلى أن فدوا نفوسهم بمال بذلوه له فأطلقهم ووصلوا إلى حلب.
وفي هذه السنة نهض ظهير الدين أتابك في العسكر إلى بصرى لمشاهدتها عند تسلمها من أيدي المقيمين بها عند انقضاء الأجل المضروب لها ، وكان قد خلع على كافة الأمراء والمقدمين وأماثل العسكر الخلع المكملة من الثياب والخيول والمراكب ، بحيث تضاعف الثناء عليه (٨٢ و) والاعتراف بأياديه ، وشاع الخبر بذاك ، وتضاعفت رغبة الأجناد في خدمته ، والميل إلى طاعته والحصول في جملته ، فلما حصل على بصرى ، (اقطع المقيمين بها (١)) اقطاعا يكفيهما ورجالهما وأجابهما إلى ذلك ، ووفى لهما بما قرره معهما حسب ما تقدم به الشرح.
سنة خمسمائة
فيها تزايد فساد الأفرنج في أعمال السواد وحوران وجبل عوف ، وانتهت الأخبار بذلك وشكا أهلها إلى ظهير الدين أتابك فجمع العسكر ، ومن انضاف إليه من التركمان ، ونهض بهم وخيم في السواد ، وكان الأمير عز الملك الوالي بصور قد نهض منها في عسكره إلى حصن تبنين (٢) من عمل الأفرنج ، فهجم ربضه ،
__________________
(١) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق.
(٢) في معجم البلدان : تبنين بلدة في جبال بني عامر المطلة على بلد بانياس بين دمشق وصور.