الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها ، ووالله لأخزينّ وجهها حتّى أقمصها أو تعييني وإنّي لرائد نفسي اليوم (١).
ومرّت الأيّام بسعيد في الكوفة ، فاستبدّ بالأموال ، وسبّب ضررا كبيرا لأهل الكوفة وظهرت منه أمور منكرة ، حتّى قال في بعض الأيّام : (إنّما هذا السواد بستان لأغيلمة من قريش) (٢). مما جعل أهل الكوفة يشكوه إلى الخليفة عثمان بن عفّان ، فذهب سعيد إلى المدينة ، واستخلف على الكوفة (عمرو بن حريث) (٣) وقيل استخلف (ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري) (٤) ، وذهب في نفس الوقت جماعة من أهل الكوفة فيهم الأشتر النخعي ، يطلبون من الخليفة عزل سعيد عن الكوفة ، فرفض عثمان طلبهم ، وأمر سعيد بأن يرجع إلى إمارته.
فرجع مالك الأشتر إلى الكوفة (قبل رجوع سعيد إليها) فاستولى عليها ، وصعد المنبر وخطب الناس قائلا : (هذا سعيد بن العاص ، قد أتاكم ، يزعم أنّ هذا السواد ، بستان لأغيلمة من قريش ، والسواد : مساقط رؤوسكم ، ومراكز رماحكم ، وفيؤكم ، وفيء آبائكم ، فمن كان يرى الله عليه حقّا ، فلينهض إلى الجرعة (٥) ، وبايعوني على أن لا يدخل سعيد للكوفة ، فبايعه عشرة آلاف من أهل الكوفة) (٦).
ولمّا رجع سعيد بن العاص من المدينة إلى الكوفة ، منعوه من دخولها ، ولم يمهلوه حتّى لشراء ما يحتاجه من طعام وعلف ، وهدّدوه بالقتل إن لم
__________________
(١) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٨٨.
(٢) عبد القادر بدران ـ تهذيب تاريخ دمشق. ج ٦ / ١٣٦.
(٣) تاريخ الطبري. ج ٣ / ١٤٨.
(٤) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٢ / ١٩٢.
(٥) الجرعة : أسم مكان ما بين الكوفة والحيرة.
(٦) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٣٨.