يتبعك) فقال له حميد الطوسي : (لكن إذا لوّح له برغيف يتركك) (١).
وغضب هارون الرشيد مرة على حميد ، فدعا له بالسيف ، فلما رآه بكى ، فقال له الرشيد : وما يبكيك؟ قال حميد : (والله يا أمير المؤمنين ، ما أفزع من الموت ، لأنّه لابدّ منه ، وإنّما بكيت أسفا على خروجي من الدنيا وأنت ساخط عليّ) فضحك الرشيد وقال : (إنّ الكريم إذا خادعته انخدعا) (٢).
مات حميد الطوسي في يوم عيد الفطر من سنة (٢١٠) للهجرة ، وحينما جاء أصحابه ليشيعوه ، فوقفوا أمام قصره ، ينتظرون إخراج جنازته وإذا بجاريته (عذل) تطل عليهم من القصر وأنشأت تقول (٣) :
من كان أصبح هذا اليوم مغتبطا |
|
فما غبطنا والله محمود |
أو كان منتظرا للفطر سيده |
|
فإن سيدنا في اللحد ملحود |
وقال عليّ بن جبلة (العكوك) يرثي حميد بقصيدة طويلة نقتطف منها (٤) :
وكيف التقى مثوى من الأرض ضيق |
|
على جبل كانت به الأرض تمنع |
هوى جميل الدنيا المنيع وغيثها |
|
المريع وحامي الكمي المشيع |
وسيف أمير المؤمنين ورمحه |
|
ومفتاح باب الخطب والخطب أمضع |
ألم تر أنّ الشمس حال ضياؤها |
|
عليه وأضحى لونها وهو أسفع |
وأوحشت الدنيا وأودى بهاؤها |
|
وأجدب مرعاها الّذي كان يمرع |
وقد كانت به الدنيا مطمئنة |
|
فقد جعلت أوتادها تتقلع |
__________________
(١) التوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج ٧ / ٤٥.
(٢) المصدر السابق. ج ٧ / ١٢٢.
(٣) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٦٠٩ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٠ / ٢٢٠ والماوردي ـ نصيحة الملوك. ص ٧٧.
(٤) الترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلامي. ج ٢ / ١٢٣٠.