وكان ذلك السارق شابا جميل الصورة ، عليه السكينة والوقار ، فجيء به إلى خالد القسريّ ، فاعترف أمامه بأنه سارق ، ولكن خالد لم يقتنع باعترافه ، فحبسه عنده ، ثمّ جاءه خالد ليلا وطلب من اللّصّ أن يقول الحقيقة ، وإلّا فسوف تقطع يده ، إلّا أنّ الشاب الجميل أصرّ على أنه لصّ ولا شيء غير هذا.
وفي اللّيل ، وبعد أن هدأت الأنفاس أخذ الشاب يقول : (١)
هددني خالد بقطع يدي |
|
إن لم أبح عنده بقصتها |
فقلت : هيهات أن أبوح بما |
|
تضمّن القلب من محبتها |
قطع يدي بالذي اعترفت به |
|
أهون للقلب من فضيحتها |
فسمعه السجّان ، وأخبر خالد القسريّ بما سمعه من الشاب ، فطلب إحضاره ، ثمّ تكلّم معه خالد ، وخوّفه من مغبّة عدم اعترافه بالحقيقة ، لكن الشاب بقي مصرا على أنّه لصّ ، عند ذلك أمر خالد بقطع يد الشاب على مرآى من الناس ، وعند ما جيء بالشاب لقطع يده ، وإذا بفتاة تصرخ وترمي بنفسها على ذلك الشاب ، وتعطي ورقة إلى خالد القسريّ ، جاء فيها : (٢)
أخالد هذا مستهام متيّم |
|
رمته لحاضي من قسيّ الحمالق |
فأحماه سهم اللحظ منّي فقلبه |
|
حليف الجوى من دائه غير فائق |
أقرّ بما لم يقترفه لأنّه |
|
رآى ذاك خيرا من هتيكة عاشق |
فمهلا على الصب الكئيب لأنّه |
|
كريم السجايا في الهوى غير سارق |
فأرسل خالد إلى والد الفتاة وخطبها منه ، وزوجها من الشاب ودفع مهرها من عنده.
__________________
(١) سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٦ / ٨٣.
(٢) ابن منظور : مختصر تاريخ دمشق. ج ٧ / ٣٧٧. وسعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٦ / ٨٤.