الناس في كلّ شيء ، ثمّ نشأ ابنه عبد الله فكان على شاكلة أبيه ، ثمّ نشأ (الحفيد) خالد ففاق الجماعة ، إلّا أنّه اختلف عنهما ، حيث اشتهر بالفصاحة والبلاغة ، ويعد من خطباء العرب المشهورين ، وكان جوادا ، كثير العطاء.
وكانت أم خالد القسريّ نصرانية (روميّة) وبنى لها كنيسة في ظهر قبلة مسجد الكوفة ، فكان إذا رفع الأذان في المسجد ، ضربت النواقيس في كنيستها ، وإذا قام الخطيب على المنبر ، رفع النصارى أصواتهم بقراءاتهم (التراتيل) ، فقال الفرزدق في ذلك يهجو القسريّ : (١)
ألا قبّح الرحمن ظهر مطيّة |
|
أتتنا تخطى من بعيد بخالد |
وكيف يؤم المسلمين وأمّه |
|
تدين بأن الله ليس بواحد |
بنى بيعة فيها الصليب لأمّه |
|
ويهدم من بغض منار المساجد |
وكان خالد القسريّ (ناصبيّا) يكره الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وينال منه (٢) ، وقد شاهد خالد يوما (عكرمة) مولى عبد الله بن عباس وكانت على رأسه عمامة سوداء ، فقال خالد : (إنّه بلغني أنّ هذا العبد يشبه عليّ بن أبي طالب ، وأنّي لأرجو أن يسوّد الله وجهه ، كما سوّد وجه ذاك). (٣)
وفي أيّام حكم الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، كان العراقيّون يهربون إلى مكّة والمدينة ، وعند ما عين خالد القسريّ أميرا على الحجاز ، طرد كلّ العراقيين الموجودين فيهما ، وهدّد كلّ من أنزل أو آوى عراقيّا ، أو أجّره دارا (٤) ، وقيل إنّ الوليد بن عبد الملك ، أمره بإخراج كلّ العراقيين
__________________
(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ٣٦. وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٢ / ٢١. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٢٧.
(٢) كان القسريّ يفعل ذلك نفيا للتهمة ، وتقربا إلى الأمويين.
(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٢ / ١٨.
(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٥٧٧.