أعلن العصيان واستقل بالشام ولم يبايع الإمام عليّ بالخلافة وأخذ يطالب بدم عثمان بن عفّان. ثمّ جرت بينه وبين الإمام عليّ عليهالسلام مكاتبات كثيرة نذكر منهما كتابين فقط ، أحدهما للإمام عليّ عليهالسلام والآخر لمعاوية ، فقد كتب الإمام عليّ عليهالسلام إلى معاوية يقول : بسم الله الرحمن الرحيم : (سلام عليك ، أما بعد ، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، لأنّه بايعني الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا به فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يعود وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا وإن خرج عن أمرهم خارج ردّوه إلى ما خرج عنه فإن أبى قاتلوا على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا ، وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقصا بيعتهما وكان نقضهما كردهما فجاهدتهما بعد ما أعذرت اليهما حتّى جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون أحبّ الأمور إليّ قبولك العافية وقد أكثرت في قتلة عثمان فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك ودخلت فيما دخل فيه المسلمون ثمّ حاكمت القوم إليّ حملتك وإياهم على كتاب الله وأما تلك الّتي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرء قريش من دم عثمان ، واعلم أنّك من الطلقاء (١) الّذين لا تحلّ لهم الخلافة ولا يدخلون في شورى وقد بعثت اليك وإلى من قبلك (جرير ابن عبد الله) وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايعه ولا قوّة إلّا بالله). (٢)
وعند ما وصل جرير بن عبد الله البجليّ إلى الشام سلّم الكتاب إلى معاوية بن أبي سفيان فكتب معاوية إلى عمرو بن العاص كتابا جاء فيه :
__________________
(١) الطلقاء : وهم الّذين أطلقهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عند فتح مكّة كانوا كفارا منهم معاوية وأبوه أبي سفيان.
(٢) ابن قتيبة ـ الإمامة والسياسة. ج ١ / ٩٦.