معناه عندهم : رضيت عنّي.
وهذا عندنا إنّما جاز لأنّ الرّضى عطف على المرضيّ عنه ، فكأنه قال : عطفت عليّ. وقد يتخرّج ذلك على ما خرّجه عليه الكسائي من أنّ الرضى ضدّ السخط فأجري لذلك مجراه لأنّ الشيء يجري مجرى نقيضه كما يجري مجرى نظيره. فكما يقال : سخط عليه فكذلك يجوز أن يقال : رضي عليه ، وإنّما كان هذا أولى من جعل «على» بمعنى «عن» لأنّ التصرف في الأفعال أولى من التصرف في الحروف. وأيضا فإنّ الفعل إذا عدّي خلاف تعدّيه الذي له في الأصل كان لذلك مسوّغ ، وهو حمل الفعل على نظيره في المعنى أو نقيضه ، وليس لجعل الحرف بمعنى حرف آخر مسوّغ.
وكذلك أيضا استدلّ على ذلك بقوله [من الرجز] :
أرمي عليها وهي فرع أجمع (١)
يريد : أرمى عنها ، وهذا لا حجة فيه لأنّ السهم في وقت الرمي يعلو القوس ، فيتصور دخول «على» لذلك ، وقد يتصور دخول «عن» لأنّ السهم يجاوز القوس ويزول عنها. وكذلك ما جاء مما ظاهره أنّ «على» فيه بمعنى «عن» يتأوّل حتى تبقى على معناها من الفوقية.
وزعمت طائفة من النحويين أنّ «على» تكون بمعنى الباء ، واستدلّ على ذلك بقولهم : «اركب على اسم الله» ، أي : باسم الله ، فتكون للاستعانة.
ولا حجة لهم في ذلك ، لأنّ «على» يحتمل أن تكون متعلقة بمحذوف ، ويكون المجرور في موضع الحال كأنه قال : اركب متكلا على اسم الله. واستدلّ على ذلك أيضا بقوله [من الكامل] :
٣٦٧ ـ فكأنّهنّ ربابة وكأنّه |
|
يسر يفيض على القداح ويصدع |
______________________
(١) تقدم بالرقم ١٧٤.
٣٦٧ ـ التخريج : البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ١٨ ؛ ولسان العرب ١ / ٤٠٦ (ربب) ، ٥ / ٢٩٩ (يسر) ، ٨ / ١٩٥ ، ١٩٦ (صدع) ، ١٥ / ٨٩ (علا) ؛ جمهرة اللغة ص ٦٧ ، ١٣١٤ ؛ وديوان الأدب ٣ / ٩٥ ، ٢١٧ ؛ وكتاب العين ١ / ٢٩١ ؛ وتهذيب اللغة ١٢ / ٧٨ ، ١٥ / ١٨٠ ؛ وتاج العروس ٢ / ٤٦٧ (ربب) ، ١٨ / ٥٠٢ (فيض) ، ٢١ / ٣٢٢ (صدع) ؛ وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٢ / ٣٨٣ ، ٤ / ٤٦٥ ؛ والمخصص ١٣ / ٢١ ، ١٤ / ٦٨ ؛ ومجمل اللغة ٢ / ٣٦٦ ، ٤ / ٧٢. ـ