ذلك لم يجز تقديمه. والذي يدلّ على ذلك من السماع قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) (١). ألا ترى أنّ «يوم يأتيهم» منصوب بخبر «ليس» الذي هو «مصروف» ، وقد تقدّم عليه ، وتقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل ، فتقديم «يوم» يؤذن بتقديم «مصروفا» ، فثبت بهذا أنّ تقديم خبر «ليس» جائز.
والمانع من تقديم خبر «ما زال» ، و «ما انفك» ، و «ما فتىء» ، و «ما برح» ، أنّها أفعال قد نفيت بـ «ما» والأفعال إذا نفيت بـ «ما» لم يتقدّم معمولها عليها. والذي يجيز التقديم حجته أنّها وإن كانت منفية في اللفظ فإنّها موجبة في المعنى ، فكما أنّ الفعل إذا كان موجبا يتقدّم معموله عليه ، فكذلك هنا. وأيضا فإنّ حرف النفي قد تنزّل من هذه الأفعال منزلة الجزء من الكلمة ، فكأنّه قد صار حرفا من حروف هذه الأفعال ، فكأنّك لم تدخل على الفعل شيئا يمنع من تقديم المعمول.
وهذا كلّه لا حجة فيه ، لأنّ العرب إنّما تلحظ لفظ «ما» لا معناها في معنى التقديم. ألا ترى أنّك تقول : «ما ضربت غير زيد» ، ولا تقول : «غير زيد ما ضربت» ، وإن كان الضرب في حقّ زيد موجبا ، وكذلك «ما ضرب زيدا إلا عمرو» ، لا يجوز أن تقول : «زيدا ما ضرب إلّا عمرو» ، وأما لزوم النفي لهذه الأفعال فهو مقوّ لمنع التقديم لأنّ المانع إذا كان غير لازم ، كان أضعف منه إذا كان لازما.
فالصحيح إذن منع تقديم معمول هذه الأفعال.
والذي يجوز تقديم خبره باتفاق ما بقي من الأفعال إذا لم يدخل عليه حرف من حروف المصدر ، نحو : «كان» ، و «أمسى» ، و «أصبح».
[٧ ـ أقسام الأفعال التي يجوز تقديم أخبارها عليها] :
والأفعال التي ثبت أنه يجوز تقديم أخبارها عليها تنقسم ثلاثة أقسام : قسم عرض له ما أوجب فيه تقديم الخبر على الفعل ، وقسم عرض له ما أوجب فيه تأخيره ، وقسم أنت فيه بالخيار.
______________________
(١) هود : ٨.