فأما الزائدة فإنها لا تزاد عند البصريين إلا بشرطين ، أحدهما : أن يكون الاسم الذي تدخل عليه نكرة. والآخر : أن يكون الكلام نفيا ، نحو : «ما جاءني من أحد» ، أو نهيا ، نحو : «لا تضرب من رجل» ؛ أو استفهاما ، نحو : «هل جاءك من رجل»؟
وزعم بعض البصريين أن الشرط يجري مجرى النفي والنهي والاستفهام ، نحو : «إن قام من رجل قام عمرو» ، ويكون معنى هذه الزيادة استغراق الجنس أو تأكيد استغراقه. فمثال كونه لاستغراق الجنس : ما جاءني من رجل» ، ألا ترى أنّك إذا قلت «ما جاءني رجل» احتمل الكلام ثلاثة معان : أحدها أن تكون أردت أن تنفي رجلا واحدا ، وكأنّك قلت : «ما جاءني واحد بل أكثر». والآخر : أن تكون أردت : ما جاءني رجل في نفاذه وقوته بل جاء الضعفاء. والآخر : أن تكون أردت : ما جاءني من جنس الرجال أحد لا ضعيف ولا قويّ ولا واحد ولا أكثر.
فإذا أدخلت «من» زال الاحتمال ، وكان المعنى : ما جاءني من جنس الرجال أحد. فهي هنا لاستغراق الجنس. فإذا قلت : ما جاءني من أحد ، كانت «من» هنا لتأكيد استغراق الجنس ، لأنّ «أحدا» يقتضي الاستغراق وإن لم تدخل عليه «من».
وأما أهل الكوفة فلا يشترطون فيها أكثر من دخولها على النكرة ، وأجازوا زيادتها في الواجب ، وحكوا في ذلك : «قد كان من مطر» ، و «قد كان من حديث فخلّ عنّي» ، التقدير عندهم : قد كان مطر ، وقد كان حديث فخلّ عنّي ، وهذا لا حجة لهم فيه ، لاحتمال أن تكون «من» مبعّضة ، ويكون التقدير : قد كان كائن من مطر ، وقد كان كائن من حديث ، فحذف الموصوف ، وأقيمت الصفة مقامه وإن كانت غير مختصة. وقد تقدم في باب النعت أن ذلك يحسن في الكلام مع «من».
وأمّا الأخفش فلم يشترط في زيادتها شيئا ، بل أجاز زيادتها في الواجب وغيره وفي المعارف والنكرات ، فأجاز : «جاءني من زيد» ، واستدل على ذلك بقوله تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (١). ألا ترى أن المعنى : يغفر لكم ذنوبكم لا بعضها ، لأن ذلك خطاب لمن يؤمن من الكفار ، قال عليهالسلام : «الإيمان يجبّ ما قبله» (٢). أي : يذهب حكمه ويبطله ،
______________________
(١) الأحقاف : ٣١.
(٢) في النهاية في غريب الحديث والأثر : «إنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، والتوبة تجبّ ما قبلها» ، أي : يقطعان ويمحوان ما كان قبلهما من الكفر والمعاصي والذنوب.