وقد يقدّم المشار ، ومنه حكى أبو الخطاب عن العرب الموثوق بهم : «هذا أنا» ، قال سيبويه : وحكى يونس تصديقا لذلك أنّ العرب تقول : «هذا أنت» ، وهو دون الأول في الاستعمال.
فإن تساوت المعرفتان في التعريف كنت بالخيار في جعل أيّهما شئت الاسم والآخر الخبر ، وذلك نحو : «كان زيد أخا عمرو» ، و «كان أخو عمرو زيدا» ، إلّا أنه قد تقدّم أنّ المضاف إلى العلم في رتبة العلم.
وينبغي أن يعلم أنّ «أن» و «لن» المصدريتين إذا تقدّرتا بالمصدر المعرفة عاملتهما العرب معاملة المضمر ، فنقول : «كان الانتصار من زيد أن سببته أو أنّني سببته» ، لأنّ «أن سببته» و «أنّي سببته» يتقدّر بالمصدر المعرفة ، فكأنّك قلت : «كان انتصاري من زيد سبّي إيّاه» ، ولو قلت : «كان الانتصار من زيد أن سببته او أنّي سببته» ، كان ضعيفا كما كان يضعف أن تجعل الضمير خبرا لما هو دونه في التعريف.
وإنّما حكمت لهما العرب بحكم المضمر من المعارف لشبههما به في أنّهما لا ينعتان كما أنّ المضمر كذلك. ومن ذلك قوله تعالى : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا) (١) و (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) (٢). الأفصح في «جواب قومه» وفي «حجتهم» النصب.
فإن كانا نكرتين ، جعلت أيّهما شئت الاسم والآخر الخبر إن كان لكلّ واحد منهما مسوّغ للإخبار عنه ، نحو : «أكان رجل قائما» ، و «كان قائم رجلا» ، فإن كان الذي له مسوّغ أحدهما جعلته المخبر عنه ، وذلك نحو : «كان كلّ أحد قائما» ، ولا يجوز : «كان قائم كلّ أحد».
______________________
ـ والمصدر المؤول من (أن) المقدرة ، والفعل (تقتل) مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (تنفض).
وجملة «تنفض استك» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تقتلني» : صلة الموصول لا محل لها. وجملة «فها أنا ذا» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أنادي عمارة» : استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «ها أنا ذا» حيث تقدّم الضمير المنفصل (أنا) وأخبر عنه باسم الإشارة (ذا) وهذا جائز فصيح.
(١) الأعراف : ٨٢.
(٢) الجاثية : ٢٥.