والذي يدل على أنّ العامل في النعت إنما هو التبع للمنعوت لا العامل في المنعوت ، أنّا قد وجدنا في النعوت ما لا يصحّ دخول العامل عليه ، نحو : «مررت بهم الجمّاء الغفير» ، ولا يجوز في «الغفير» إلّا أن يكون نعتا للجمّاء.
وكذلك أيضا وجدناهم يقولون : «ما زيد بأخيك العاقل» ، بالنصب على موضع الخبر ، ولا يتصور أن يكون العامل هو العامل في المنعوت ، وهو الباء ، لأن الباء إذا عملت في شيء جرته ، فدلّ ذلك على أنّ العامل فيه إنّما هو التبع له في اللفظ أو على المعنى.
فإن قيل : فلأيّ شيء لم ينعت المضمر ولم ينعت به؟
فالجواب : إنّه إنّما امتنع أن ينعت لأنّ المضمر ينقسم ثلاثة أقسام كما تقدّم. ضمير متكلم وضمير مخاطب وضمير غائب.
فأما ضمير الغائب فلا ينعت لأنه نائب مناب تكرير الاسم ، فكما أنّ الاسم إذا كرّر فلا ينعت ، فكذلك المضمر النائب منابه ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «رأيت رجلا فضربت الرجل» ، لا يجوز أن تقول : «فضربت الرجل العاقل» ، لئلا يوهم من حيث وصفته بما لم تصف به الأول أنه غيره. وإذا قلت : «رأيت رجلا عاقلا فضربت الرجل العاقل» ، لم تزد في التكرار على ما ذكرت أولا ، وضمير الغيبة نائب مناب الاسم المكرر فينبغي أن لا يزاد كما لا يزاد على الاسم المكرر ، فإنّه كذلك لا يجوز أن تقول : ضربته العاقل.
فإن قيل : وأنت قد تقول : «لقيت رجلا فضربت الرجل المذكور» ، فتصفه بالمذكور.
فالجواب : إنكّ قصدت بنعته بالمذكور أن تذكر أنّك تعني الرجل المتقدّم الذكر لا غيره ، وإذا قلت : «زيد ضربته» ، فقد علم أنّه لا يمكن أن يراد بالضمير إلّا المتقدم الذكر فلذلك لم تحتج إلى نعته بالمذكور.
وأمّا ضمير المتكلم والمخاطب فلم ينعتا لأنّهما لم يدخلهما لبس.
فإن قيل : فهلّا نعتا على جهة المدح أو الذم أو الترحم ، إذ كونهما لا يدخلهما لبس إنّما يوجب أن لا ينعتا بنعت يكون القصد به رفع الاشتراك.
فالجواب : إنّ نعت المدح أو الذم أو الترحم بابه أن يكون مقطوعا ، لأنّ الموضع