لا جائز أن يجعله جوابا لهما معا ؛ لأنّه إمّا أن يقدّر بين الشرطين حرفا رابطا ، أو لا. فإن لم يقدّر لم يصحّ أن يوردا على جواب واحد ، لأنّ ذلك نظير أن تقول : «زيد عمرو عندك» وتقول : (عندك) خبر عنهما. فيقال لك : هلّا إذ شركت بين الاسمين في الخبر الواحد أتيت بما يربط بينهما ، وإن قدّرته فلا يخلو ذلك الذي تقدّره من أن يكون فاء أو واوا إذ لا يصحّ غيرهما ، فإن قدّرته فاء كالفاء المقدّرة في قوله : [البسيط]
٦٢٨ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
[والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان] |
أي : فالله يشكرها ، فالشّرط الثاني وجوابه جواب الأوّل. فعلى هذا لا يقع الطلاق إلّا بوقوع مضمون الشّرطين ، وكون الثاني بعد الأوّل ؛ كما أنّك لو صرّحت بالفاء كان الحكم كذلك ، وهذا خلاف قوله. ثمّ حذف الفاء لا يقع إلّا في النادر من الكلام أو في الضّرورة ، فلا يحمل عليه الكلام وإن قدّرت الواو كما هي مقدّرة في قول الله سبحانه (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) [الغاشية : ٨] ، أي : ووجوه يومئذ ناعمة ، عطفا على (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) [الغاشية : ٢] ، فلا شكّ أنّ الطلاق يقع بكلّ من الأمرين على هذا التقدير. ولكنّ هذا التقدير لا يتعيّن ، لجواز أنّ المتكلّم إنّما قدّر الفاء ، فلا يقع إلّا بالمجموع مع الترتيب المذكور ، أو يكون الكلام لا تقدير فيه ، فلم قلت يتعيّن تقدير الواو؟.
ولا جائز أن يجعله جوابا للأوّل فقط ، وجواب الثاني محذوفا ، لدلالة الشرط الأوّل وجوابه عليه لأنّه على هذا التقدير يلزمه أن يقول بقول الجمهور ، وهو لا يقول به.
ولا جائز أن يجعله جوابا للثاني : لأنّك إمّا أن تجعل جواب الشرط الأوّل هو الشرط الثاني وجوابه أو محذوفا يدلّ عليه الجواب المذكور للثّاني.
لا سبيل إلى الأوّل لأنّه على هذا التقدير تجب الفاء في الشّرط الثاني ، لأنّه لا يصحّ للشرط أن يلي الشرط. لو قلت : إن إن ، لم يصحّ. وكلّ جواب لا يصلح أن
__________________
٦٢٨ ـ الشاهد لكعب بن مالك في ديوانه (ص ٢٨٨) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٠٩) ، وله أو لعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب (٩ / ٤٩) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٧٨) ، ولعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب (٢ / ٣٦٥) ، ولسان العرب (بجل) ، والمقتضب (٢ / ٧٢) ، ومغني اللبيب (١ / ٥٦) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٣٣) ، ونوادر أبي زيد (ص ٣١) ، ولحسان ابن ثابت في الكتاب (٣ / ٧٣) ، والدرر (٥ / ٨١) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٩ / ٤٠) ، والخصائص (٢ / ٢٨١) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٦٤) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٨٦) ، وشرح المفصّل (٩ / ٢).