يكون شرطا فإنّه يتعيّن اقترانه بالفاء ، ولا فاء هنا فاستحال هذا الوجه. فإن قلت : لعلّه يجعله مثل قوله (١) : [البسيط]
من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
[والشّرّ بالشّر عند الله مثلان] |
فهذا وجه ضعيف كما قدّمنا ، فلم حمل الكلام عليه؟ بل لم أوجب أن يكون الكلام محمولا عليه؟ ولا سبيل إلى الثاني لأنّه خلاف المألوف في العربيّة فإنّ منهاج كلامهم أن يحذف من الثاني لدلالة الأوّل لا العكس. فأمّا قوله (٢) : [المنسرح]
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض [والرأي مختلف] |
فخلاف الجادّة ، حتّى لقد تحيّل له ابن كيسان فجعل (نحن) للمتكلّم المعظّم نفسه ، ليكون (راض) خبرا عنه. فأنت ترى عدم أنسهم بهذا النّوع حتى تكلّف له هذا الإمام هذا الوجه. حكى ذلك عنه أبو جعفر النحّاس في شرح الأبيات ، ولأنّه أيضا خلاف المألوف من عادتهم في توارد ذوي جوابين من جعل الجواب للثّاني.
ثمّ الذي يبطل هذا المذهب من أصله أنّا تأمّلنا ما ورد في كلام العرب من اعتراض الشّرط على الشّرط ، فوجدناهم لا يستعملونه إلّا والحكم معلّق على مجموع الأمرين ، بشرط تقدّم المؤخّر وتأخّر المقدّم. فوجب أن يحمل الكلام على ما ثبت في كلامهم كقوله (٣) : [البسيط]
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا [تجدوا |
|
منّا معاقل عزّ زانها كرم] |
فإنّ الذّعر مقدّم على الاستغاثة ، والاستغاثة مقدّمة على الوجدان. فهذا ما عندي في دفع هذا المذهب.
المذهب الثالث : أنّ الشرط الثاني جوابه مذكور ، والشرط الأوّل جوابه الشرط الثاني وجوابه. فإن قيل : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق» ، فإنّما تطلق إذا ركبت أوّلا ثمّ لبست. وهذا القول راعى من قال به ترتيب اللفظ وإعطاء الجواب لما جاوره. وإنّما يستقيم له هذا العمل على تقدير الفاء في الشّرط الثاني ، ليصحّ كونه جوابا للأوّل ، وعلى هذا فلا يلزم مضيّ فعل الشرط الأوّل ، ولا الثّاني ، لأنّ كلّا منهما قد أخذ جوابه.
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٦٢٨).
(٢) مرّ الشاهد رقم (٣٠).
(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٢٥).