ورجّح أبو الفتح بن جنّي هذا الوجه على الأوّل بقوله : «من السّنين» وبيان ذلك أنّه في الأصل تمييز منصوب فحقّه : لا بارك الله في بضع وستين سنة ، فلمّا أتى به على مقتضى القياس الأصلي ، وهو ذكر لفظة (من) وجمع (سنة) وتعريفها ، فلذا حكم على قوله : (وستّين) أنّه جاء به على مقتضى القياس في حركته وهي الكسرة. قلت : ويرجّحه أمر آخر وهو أنّ الإعراب بالحركات مع التزام الياء إنّما هو معروف في باب (سنة) و (عضة) و (قلة) ، أعني ما حذفت لامه (١). وأمّا غير ذلك فلعلّه لا يثبت فيه ـ والله أعلم ـ.
ومن فوائده :
الفرق بين العرض والتحضيض
الفرق بين العرض والتّحضيض أنّ العرض طلب بلين ورفق ، والتّحضيض طلب بإزعاج وعنف.
مسألة
(علمت) بمعنى عرفت وبمعنى العلم
ومن فوائده : قال أبو الفتح : قلت لأبي عليّ : إذا كانت (علمت) بمعنى (عرفت) عدّيت إلى مفعول واحد ، وإذا كانت بمعنى العلم عدّيت إلى مفعولين فما الفرق بين (علمت) و (عرفت) من جهة المعنى؟ فقال : لا أعلم لأصحابنا في ذلك فرقا محصّلا ، والذي عندي في ذلك : أنّ (عرفت) معناها العلم من جهة المشاعر والحواسّ ، بمنزلة أدركت ، و (علمت) معناها العلم من غير جهة المشاعر والحواسّ. يدلّ على ما ذكرنا في (عرفت) قوله تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن : ٤١] ، والسّيما تدرك بالحواسّ وبالمشاعر ، وكذلك في ذكر الجنّة : (عَرَّفَها لَهُمْ) [محمد : ٦] ، أي : طيّب رائحتها لهم ، من العرف ، وهو الرّائحة ، والرّائحة إنّما تعلم من جهة الحاسّة ، وقوله : [الكامل]
٦٥٩ ـ أو كلّما وردت عكاظ قبيلة |
|
بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم |
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٥ / ٥) ، وأوضح المسالك (١ / ٣٧).
٦٥٩ ـ الشاهد لطريف بن تميم العنبري في الأصمعيات (ص ١٢٧) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٢٨٩) ، والكتاب (٤ / ١٢٣) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٣٧٠) ، ولسان العرب (ضرب) ، و (عرف) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٢٠٤) ، وبلا نسبة في أدب الكاتب (ص ٥٦١) ، وجمهرة اللغة (ص ٣٧٢) ، والمنصف (٣ / ٦٦).