لكن الضرورة إلى هذا المقدار دعتني ، وفي المثل : «لو ذات سوار لطمتني» (١) ، وقال الشاعر : [الوافر]
٦٠٠ ـ فنكّب عنهم درء الأعادي |
|
وداووا بالجنون من الجنون |
ثم إني أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم غفّار الذنوب ستّار العيوب وأتوب إليه ، وأحلف بالله العظيم إنّ القاضي عضد الدين ما كان يعتقد في والدي الذي عرّض به في الجواب ، بل كان معظّما له غاية التعظيم حضورا وغيبة ، وحاشا لله أن أعتقد أيضا فيه ما تعرضت له في بعض المواضع ، بل أنا معظّم له ، معتقد أنّه كان من أكابر الفضلاء وأماثل العلماء ، وكذا والدي كان يعظّمه أكثر من ذلك ، نعم إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه ، والشيطان قد ينزع بين الأحبّة والإخوة ، وإنما كتبت هذه الكلمات استيفاء للقصاص ، فلا يظن ظانّ أني محقّر له ، فإنّه قد يستوفى القصاص مع التعظيم ، ويعرف هذا من يعرف دقائق الفقه ، ثم إنّي أرجو من كرم الله تعالى أن يتجاوز عنّا جميع ما زلّت به القدم ، وطغى به القلم ، وأن يجعلنا ممّن قال في حقهم : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) [الحجر : ٤٧]. والحمد لله ربّ العالمين.
رأي مظفر الدين الشيرازي
(وهذه رسالة في ذلك تأليف صاحبنا العلامة مظفر الدين الشيرازي)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أطلع أنوار القرآن فأنار أعيان الأكوان وأظهر ببدائع البيان قواطع البرهان ، فأضاء صحائف الزمان وصفائح المكان ، والصلاة والسّلام على الرسول المنزّل عليه والنبيّ الموحى إليه الذي نزلت لتصديق قوله وتبيين فضله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] محمّد المؤيّد ببيّنات وحجج قرآنا عربيا غير ذي عوج ، وعلى آله العظام وصحبه الكرام ما اشتمل الكتاب على الخطاب ، ورتّبت الأحكام في الأبواب ، بينما الخاطر يقتطف من أزهار أشجار الحقائق ريّاها ، ويرتشف من نقاوة سلافة كؤوس الدقائق حميّاها ما كان يقنع باقتناء اللّطائف بل كان يجتهد في التقاط النواظر من عيون الظرائف إذ انفتحت عين النظر على غرائب سور القرآن وانطبعت في بصر الفكر بدائع صور الفرقان ، فكنت
__________________
(١) المثل في مجمع الأمثال للميداني (٢ / ١٧٤).
٦٠٠ ـ البيت لأبي الغول الطهويّ في الشعر والشعراء (ص ٤٢٩) ، وشرح الحماسة للمرزوقي (ص ٤٣).