السابقة. أمّا إذا قيل : «إن قمت إن قعدت فأنت طالق» ، فإنّه لا يمكن أن يقدّر في ذلك : إن قمت قاعدة ، فإنّ هذا من المحال ، وينبغي على قوله أنّها لا تطلق. وكذلك إذا لم يجتمع الفعلان في العادة ، وإن لم يتضادّا نحو : «إن أكلت إن شربت» وكذلك إذا قال : «إن صلّيت إن توضّأت أثبت» ، فإنّه لا يصحّ أن يقدّر : إن صلّيت متوضّئا ، بمعنى موقعا للوضوء ، فإنّهما لا يجتمعان.
الثالث : أنّ الشرط بعيد من مذهب الحال ، ألا ترى أنّه للاستقبال ، والحال حال كلفظها وبابها المقارنة ؛ وإذا تباعد ما بين الشيئين لم يصحّ التجوّز بأحدهما عن الآخر. وقد نص هو على أنّ الجملة الواقعة حالا شرطها ألّا تصدّر بدليل استقبال ، لما بينهما من التّنافي. نعم رأيت في مسائل القصريّ عن الشيخ أبي علي ـ رحمه الله ـ إجازة ذلك في نحو : «لأضربنّه إن ذهب أو مكث» و «لأضربنّه إن ذهب وإن مكث».
والذي يتحرّر لي أنّ الحال ـ كما ذكر النّحاة ـ على ضربين : حال مقارنة ، وحال منتظرة وتسمّى حالا مقدّرة (١) ، فالأولى واضحة ، الثانية نحو : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣] ، فإن الخلود ليس شيئا يقارن الدخول ، وإنما هو استمرار في المستقبل. ويقدّر النحويّون ذلك : ادخلوها مقدّرين الخلود. وكذلك (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) [الفتح : ٢٧] أي : مقدّرين ، فإنّهم في حالة الدخول لا يكونون محلّقين ومقصّرين ؛ إنّما هم مقدّرون الحلق والتقصير فهذه الحال لا يمتنع اقترانها بحرف الاستقبال لأنّها مستقبلة بخلاف الحال الأولى. وعلى هذا صحّة مسألة أبي عليّ وصحّة تخريج المصنّف مسألة الشّرط ، أعني صحّتها من هذا الوجه ، لا صحّتها مطلقا ، فإنّها معترضة بغير ذلك. نعم ، ويتّضح ـ على هذا ـ بطلان تعميم ابن مالك امتناع اقتران الحال بحرف الاستقبال. وقد اتّضح الأمر في تحقيق هذين الوجهين والحمد لله.
والمذهب الثاني : فيما يقع به مضمون الجواب الواقع بعد الشرطين : حكى لي بعض علمائنا عن إمام الحرمين ـ رحمه الله ـ أنّ القائل إذا قال : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق» كان الطلاق معلّقا على حصول الرّكوب واللّبس سواء أوقعا على ترتيبها في الكلام ، أم متعاكسين أم مجتمعين. ثم رأيت هذا القول محكيّا عن غير الإمام رحمه الله.
والذي يظهر لي فساد هذا القول ، لأنّ قائله لا يخلو أمره من أن يجعل الجواب المذكور لمجموع الشرطين ، أو للأوّل فقط ، أو للثاني فقط.
__________________
(١) انظر المغني (ص ٥١٧).