منه محال ؛ وإذا كان اللازم محالا فملزومه كذلك. فثبت أنّ الخلق هو المخلوق. وإنّما جاء الوهم لهذه الطائفة من جهة أنهّم لم يعهدوا في الشّاهد مصدرا إلّا وهو غير جسم ، فتوهّموا أنّه لا مصدر إلّا كذلك ، فلمّا جاءت هذه أجساما استبعدوا مصدريّتها لذلك ، ورأوا تعلّق الفعل بها فحملوه على المفعول به. ولو نظروا حقّ النّظر لعلموا أنّ الله تعالى يفعل الأجسام كما يفعل الأعراض ، فنسبتها إلى خلقه واحدة ، فإذا كان كذلك ، وكان معنى المصدر ما ذكرناه وجب أن تكون مصادر.
وليست هذه المسألة وحدها بالذي حملوا فيها أمر الغائب على الشاهد ، بل أكثر مسائلهم التي يخالفون فيها كمسألة الرؤية ، وعذاب القبر وأشباهها.
إعراب (صالحا) في قوله تعالى (وَاعْمَلُوا صالِحاً)
وقد ألّف الشيخ تقيّ الدّين السّبكيّ (١) في هذه المسألة كتابا سمّاه «بيان المحتمل في تعدية عمل» قال : بسم الله الرحمن الرحيم :
سألت وفّقك الله عن قولي في إعراب قوله تعالى : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) [سبأ : ١١] : إنّ (صالحا) ليس مفعولا به ، بل هو إمّا نعت لمصدر محذوف كما يقوله أكثر المعربين في أمثاله ، وإمّا حال كا هو المنقول عن سيبويه ، ويكون التقدير : واعملوه صالحا ، والضمير للمصدر. وذكرت أنّ كثيرا من الناس استنكر قولي في ذلك وقالوا : إنّ (عمل) من الأفعال المتعدّية بدليل قوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١١] ، وقوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) [سبأ : ١٣].
فاعلم وفّقك الله أنّك إذا تدبّرت ما أقوله انحلّت عنك كلّ شبهة في ذلك ، وعلمت أنّ استنكارهم لذلك مسارعة إلى ما لم يحيطوا بعلمه ، وغيبة عن معاني كلام النّحاة وأدلّة العقل ، وبيان ذلك بأمور :
أحدها : أنّ الفعل المتعدّي هو الذي يكون له مفعول به ، والمفعول به هو محلّ فعل الفاعل ، وإن شئت قلت : الذي يقع عليه فعل الفاعل ؛ وكلتا العبارتين موجود في كلام النحاة. وهذا المفعول به هو الذي بنى النحاة له اسم مفعول كمضروب ومأكول ومشروب ؛ فزيد المضروب والخبز المأكول والماء المشروب هي محلّ تلك
__________________
(١) علي بن عبد الكافي بن سليم السبكيّ : تقيّ الدين أبو الحسن الفقيه الشافعي المفسّر النحوي اللغوي المقرئ ، صنّف نحو مائة وخمسين كتابا مطوّلا ومختصرا منها : تفسير القرآن ، وشرح المنهاج في الفقه ، وكشف القناع في إفادة «لو لا» الامتناع ، وغيرها كثير (ت ٧٥٥ ه). ترجمته في : بغية الوعاة (٢ / ١٧٦).