ذكرناه من أن (لو) حرف شرط تدلّ على انتفاء الشرط ، فإن كان الشرط ثبوتيّا فهي (لو) محضة ، وإن كان الشرط عدميّا مثل (لو لا) و (لو) لم دلّت على انتفاء هذا العدم بثبوت نقيضه فيقتضي أنّ هذا الشرط العدميّ مستلزم لجزائه إن وجودا وإن عدما وأنّ هذا العدم منتف ، وإذا كان عدم شيء سببا في أمر فقد يكون وجوده سببا في عدمه ، وقد يكون وجوده أيضا سببا في وجوده بأن يكون الشيء لازما لوجود الملزوم ولعدمه ، والحكم ثابت مع العلة المعينة ومع انتفائها لوجود علة أخرى ، وإذا عرفت أنّ مفهومها اللازم لها إنّما هو انتفاء الشرط وأنّ فهم نفي الجزاء منها ليس أمرا لازما ، وإنّما يفهم باللزوم العقلي أو العادة الغالبة وعطفت على ما ذكرته من المقدّمات زال الإشكال بالكليّة ، وكان يمكننا أن نقول : إنّ حرف لو دالة على انتفاء الجزاء ، وقد تدلّ أحيانا على ثبوته إمّا بالمجاز المقرون بقرينة أو بالاشتراك ، لكن جعل اللفظ حقيقة في القدر المشترك أقرب إلى القياس مع أنّ هذا إن قاله قائل كان سائغا في الجملة ، فإنّ الناس ما زالوا يختلفون في كثير من معاني الحروف هل هي مقولة بالاشتراك أو التواطؤ أو بالحقيقة والمجاز؟ وإنما الذي يجب أن يعتقد بطلانه ظنّ ظانّ ظنّ أن لا معنى للو إلّا عدم الجزاء والشرط ، فإنّ هذا ليس بمستقيم البتّة ، والله سبحانه أعلم.
الكلام على مسألة الاستفهام
للشيخ الإمام جمال الدين بن هشام نفع الله ببركته جميع الأنام وغفر له ولجميع أهل الإسلام إنه على ما يشاء قدير والحمد لله.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والتسليم على محمد أشرف المرسلين ، وعلى آله وصحابته أجمعين وبعد ؛ فهذه مسألة في شرح حقيقة الاستفهام ، والفرق بين أدواته ، على حسب ما التمس منّي بعض الإخوان ، وبالله تعالى المستعان ، وعليه التّكلان ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم ، وفيه فصول :
الفصل الأول في تفسيره : اعلم أنّ حقيقة الاستفهام أنّه طلب المتكلّم من مخاطبه أن يحصّل في ذهنه ما لم يكن حاصلا عنده ممّا سأله عنه. وقال بعض الفضلاء : ينبغي أن يكون المطلوب تحصيل ذلك في ذهن أعمّ من المتكلّم وغيره ، كما أنّ حقيقة الاستغفار الذي هو طلب الغفر ـ وهو السّتر ـ أعمّ من أن يكون