والثالث : أنّه سمع «أما بمكان كذا وكذا وجذ» وذلك دليل على أنّها لم ترد بها معطوف ومعطوف عليه.
والرابع : أنّ موافقة العدد المبهم للعدد الصّريح في طريقته في التّمييز وغيره لا يقتضي تساويهما في المعنى بدليل (كم) الاستفهاميّة ، فإنّك تقول : «كم درهما لك» وتقول : «كم وكم درهما لك» أو تسقط الواو فيجاب بجميع الأعداد في كلّ من هذه الصّور.
الخامس : أنّ إجازة «كذا درهم» و «كذا دراهم» باطل بما قدّمناه. وأجيب بأنّه خفض بالإضافة وأن معنى الإشارة قد زال. وأجاب الصفّار بأنّ المتكلّم ب (كذا) لا بدّ أن يقدّر في نفسه عددا ما ، وحينئذ تقول : «له عدد مثل هذا» أي : مثل هذا المركّب والمعطوف. وفي مثل هذا الجواب نظر ، وهو مبنيّ على ادّعاء عدم التّركيب وأنّ معنى التّشبيه باق وهو بعيد جدّا.
وأمّا قول أبي بكر : فحجّته أنّه سمع من العرب : «مررت بمكان كذا وكذا» و «بدار كذا» ولم يسمع مثل : «مررت بمكان كذا كذا» فلمّا كان ذلك واقعا على العدد ناسب أن يكون جاريا مجرى ما يوافقه من الأعداد. وليس هذا بشيء ، وقد جوّز «كذا درهم» بالخفض على أن يراد مائة درهم مع اعترافه بأنّه لم يسمع في غير العدد ، فما الفرق بينه وبين بقيّة الألفاظ.
وأمّا قول المبرّد والأخفش ومن وافقهما فزعم الشّلوبين وأصحابه أنّه القياس ، وأنّه لا ينافي قول سيبويه ، وأنّ قوله إنّها مبهمة ، ومعناه أنّ قولنا «كذا كذا» مبهم في الأحد عشر والتّسعة عشر وما بينهما لا أنّه مبهم في القليل والكثير وكذلك يقولون في الباقي.
الفصل الخامس
فيما يلزم بها عند الفقهاء
وقد اختلفت المذاهب في ذلك : فأمّا مذهب الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ ففي (المحرّر) (١) ما معناه أنّه إذا أفرد (كذا) أو كرّرها بلا عطف ، وكان التمييز منصوبا فيهما أو مرفوعا لزمه درهم ، فإن عطف ونصب أو رفع فكذلك عند ابن
__________________
(١) المحرّر : كتاب في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل تأليف مجد الدين أبي البركات عبد السّلام بن عبد الله بن تيمية وهو جدّ شيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية.