العبقري : وهذا العبقريّ الذي عليه اتّكاء المؤمنين إلى أيّ شيء نسب ، فإنّا كنّا نقول في الدّار الأولى : إنّ العرب كانت تقول إنّ عبقر بلاد يسكنها الجنّ وأنّهم إذا رأوا شيئا جيّدا قالوا : عبقريّ أي كأنّه من عمل الجنّ إذ كانت الإنس لا تقدر على مثله ، ثمّ كثر ذلك حتّى قالوا : سيّد عبقريّ وظلم عبقريّ. قال ذو الرّمّة : [البسيط]
٧٢٥ ـ حتّى كأنّ حزون القفّ ألبسها |
|
من وشي عبقر تجليل وتنجيد |
وقال زهير : [الطويل]
٧٢٦ ـ بخيل عليها جنّة عبقريّة |
|
جديرون يوما أن ينالوا ويستعلوا |
وإن كان أهل الجنّة عارفين بهذه الأشياء قد ألهمهم الله العلم بما يحتاجون إليه فلن يستغني عن معرفته الولدان المخلّدون ، فإنّ ذلك لم يقع إليهم ، وإنّا لنرضى بالقليل ممّا عندهم أجرا على تعليم الولدان. فيتبسّم إليهم رضوان ويقول : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) [يس : ٥٥] ، فانصرفوا رحمكم الله فقد أكثرتم الكلام فيما لا منفعة فيه ، وإنّما كانت هذه الأشياء أباطيل زخرفت في الدّار الفانية فذهبت مع الباطل ، فإذا رأوا جدّه في ذلك قالوا : رحمك الله نحن نسألك أن تعرّف بعض علمائنا الذين حصلوا في الجنّة بأنّا واقفون على الباب نريد أن نخاطبه في أمر ، فيقول رضوان : من تؤثرون أن أعلم بمكانكم من أهل العلم الذين غفر لهم فيشتورون طويلا ثمّ يقولون : عرّف بموقفنا هذا الخليل بن أحمد الفرهوديّ ، فيرسل إليه رضوان بعض أصحابه ، فيقول : على باب الجنّة قوم قد أكثروا القول ، وإنّهم يريدون أن يخاطبوك ، فيشرف عليهم الخليل فيقول : أنا الذي سألتم عنه فما الّذي تريدون؟ فيعرضون عليه مثل ما عرضوا على رضوان ، فيقول الخليل : إنّ الله جلّت قدرته ـ جعل من يسكن الجنّة ممّن يتكلّم بكلام العرب ناطقا بأفصح اللّغات كما نطق بها يعرب بن قحطان أو معدّ بن عدنان لا يدركهم الزّيغ ولا الزّلل وإنّما افتقر الناس في الدّار الغرّارة إلى علم اللّغة والنّحو لأنّ العربيّة الأولى أصابها تغيير. فأمّا الآن فقد رفع عن أهل الجنّة كلّ الخطأ والوهم فاذهبوا راشدين إن شاء الله ، فيذهبون وهم مخفقون ممّا طلبوه.
__________________
٧٢٥ ـ الشاهد لذي الرمّة في ديوانه (ص ١٣٦٦) ، ولسان العرب (نجد) و (عبقر) ، والتنبيه والإيضاح (٢ / ١٦١) ، وتهذيب اللغة (١٠ / ٦٦٦) ، وتاج العروس (نجد).
٧٢٦ ـ الشاهد لزهير في ديوانه (ص ١٠٣) ، ولسان العرب (جدر) و (عبقر) ، وتهذيب اللغة (٢ / ٢٩٣) ، وأساس البلاغة (جدر) ، وتاج العروس (جدر).