نعم قول ابن عمرون متّجه في قول الحريري (١) : [مجزوء الوافر]
كأنّي بك تنحطّ |
|
إلى القبر وتنغطّ |
فهذا لا ينبغي أن يعدل عنه عند تخريجه ، فيكون الظرف خبرا و «تنحطّ» حالا عن ياء المتكلّم لعدم الرابط على أنّ المطرّزيّ خرّجه على أنّ الأصل : كأنّي أبصرك ، ثم حذف الفعل لدلالة المعنى عليه ، فانفصل الضمير وزيدت الباء في المفعول. ولا شكّ أنّ فيه تكلّفا من وجهين إضمار الفعل ، وزيادة الباء ، مع إمكان الاستغناء عن ذلك ، ثمّ يكون قوله (تنحطّ) حالا من الكاف لا خبرا. والفائدة متوقّفة عليه ، إذ لو صرّح بالمحذوف فقيل : «كأنّي أبصرك» لم يتمّ المراد فما قاله ابن عمرون أولى ، لسلامته من هذا التكلّف. ولا يلزم من تعين قول ابن عمرون في هذا الموضع أن يحمل عليه «كأنّك بالدّنيا لم تكن» لأنّ ذاك تركيب آخر مغاير لهذا التّركيب.
ومثل قول الحريري قولهم «كأنّي بك تفعل كذا».
وقد انتهى القول في هذه المسألة ، على ما اقتضاه الحال من ضيق الوقت والمجال المتقاضى للكلام المذكور. والحمد لله أوّلا وآخرا ، وصلّى الله على محمد وآله وصحبه ، وسلّم تسليما كثيرا. نجزت يوم الإثنين السادس والعشرين من شهر الله المحرّم سنة أربع وخمسين وسبعمائة.
الكلام في قولهم : أنت أعلم ومالك ، وعلى أيّ شيء عطف
قال شيخنا الإمام العالم العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام رحمه الله :
وقفت على أسئلة مشكلة لبعض علماء عصرنا وها أنا موردها مفصّلة ومدوّن كلّ منها بما تيسّر لي من الجواب. وما توفيقي إلّا بالله ، عليه توكّلت وإليه أنيب.
السؤال الأوّل : قال رحمه الله : المسؤول الاطلاع على ما نقل الناس في قولهم : «أنت أعلم ومالك» (٢) ، وتبيين المعطوف عليه ما هو؟ على القول بأنه عطف لفظي غير راجع إلى المعنى.
وأقول : إنّ الكلام في هذا الموضع في مقامين :
__________________
(١) انظر مقامات الحريري (ص ٨٠) ، المقامة الحادية عشرة ، والمغني (ص ٢١٠) ، وشرح أبيات المغني للبغدادي (٤ / ١٧٤).
(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٦٠).